حسام تمام :حركة الإخوان المسلمين أضعف من أن تحسم الصراع الدائر في حمس(الجزائر نيوز)
لو تتوفر أجواء ديمقراطية فإن تجربة العدالة والتنمية هي التي ستقود العالم العربي بدل الإخوان
في هذا الحوار، يحلل الكاتب الصحفي والباحث في شؤون الحركات الإسلامية ويؤكد أن الإخوان المسلمين لم يعودوا ذلك التنظيم القادر على دفع أحزاب إلى الصدارة أو تحطيم أحزاب أخرى، ويقول، حسام تمام، أن الخلاف القائم في ''حمس'' لا يمكن للإخوان المسلمين حسمه ولا أن ترجح كفة أي طرف، لأن الإخوان لا سيطرة حقيقية لهم على إسلاميي الجزائر، لأن التنظيم الدولي للإخوان قد تفكك ولم يعد قائما فعليا، حسب الأستاذ حسام تمام•
حاوره: سمير حميطوش
خلال الأيام الماضية، إنتهى الخلاف والصراع القائمين في حركة مجتمع السلم إلى إعلان جماعة مناصرة عن انفصالها عن ''حمس'' وتأسيس حزب جديد إسمه ''الدعوة والتغير'' كيف قرأت هذا التطور؟
ما يستحق التأمل هو دلالات الانقسام وفشل كل جهود الوساطة في حزب مفترض أنه إسلامي ويعبر عن أقدم حركة إسلامية في العالم وأكثرها تماسكا•• الإنقسام كان متوقعا ويبدو طبيعيا، ليس فقط في ضوء ما جرى من صراعات ومواجهات بين أركان الحزب، كما رأينا في انتخابات الحزب الأخيرة التي جرت العام الماضي، بل لأن مسيرة الحزب والإخوان المسلمين، عموما، وفي أكثر من بلد، تؤكد أننا إزاء تحول جذري في الجماعة يجعل أي صراع أو انشقاق، كالذي نشهده مع ''حمس'' متوقعا•• فجماعة الإخوان تحولت من جماعة دينية، لها اهتمام بالسياسة أو مشاركة فيها، إلى جماعة سياسية لها خلفية دينية•• الإهتمام الأكبر والنشاط الأهم والحضور الأوسع للإخوان صار على أرضية السياسة وأجندتها ومنطقها أيضا، الذي لا يبعد عن الخصومة والصراع وما يتولد عنه من انشقاق•• هذا يحدث للجماعة في مختلف أنحاء العالم تقريبا•• قد يتأخر حدوث ذلك في مصر مثلا، حيث الجماعة الأم الأكثر تماسكا وتمسكا بالأطروحة الإخوانية، لكنه كان متوقعا في الجزائر التي تماهت فيها الجماعة مع الحزب•• خطأ تاريخي إرتكبه إخوان الجزائر حين اختاروا التطابق الكلي بين الجماعة وبين مشروعها السياسي المتمثل في حزب! في بلاد أخرى جرى التمييز بين الجماعة وبين الإطار السياسي الذي يمثلها•• وهو ما نسميه بالتمييز بين الدعوي والسياسي•• وهذا يعفي الجماعة، كحركة دعوية رسالية، من ألعاب السياسة ومنطقها الصراعي••
هناك تجربة الحركة الإسلامية المتأثرة بالإخوان، وهي التوحيد والإصلاح•• والنموذج الذي تطرحه يبدو مهما ويستحق الإعتبار به•• فيما اختار إخوان الجزائر الدمج بين الدعوي والسياسي، ليس على طريقة إخوانهم المصريين الذين مازالوا يحافظون على المسارين أو يحاولون•• بل على طريقة تحويل الجماعة نفسها إلى حزب•• فكان لا بد أن يجري عليهم ما يجري على الأحزاب•• لا يستطيع أبو جرة سلطاني أو غيره أن يحكم حزبا بمنطق جماعة دينية•• ولا يستطيع أن يدير جماعة دينية بهذا الأسلوب السياسوي•• فكان طبيعيا ومتوقعا، بالنسبة لي، مثل هذا التطور، خصوصا وأن الرجل، على تقديرنا له، ليس له نفس ''كاريزما'' المؤسس محفوظ نحناح ولا شرعيته التاريخية••• كما أن التدبير السياسي الضعيف لحمس، وتحولها إلى جزء من دولاب الدولة، بعيوبها وليس بمميزاتها، سرّع من وتيرة تآكل شرعية رئيس الحزب ويسّر لمعارضيه خطوة الخروج عليه•
هذا الخروج جاء أياما قليلة بعد إعلان التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عن سحبه الغطاء وعباءته عن حركة مجتمع السلم، وقيل أن التنظيم الدولي منحاز إلى جماعة مناصرة، إلى أي مدى يمكن أن يخدم هذا الموضوع الحزب الوليد؟
ليس لدي معطيات كافية تؤكد لي أن هذا حدث بالفعل وبشكل حاسم•• لكن لو حدث، فهو سيكون تكرار لخطأ تاريخي وقعت فيه جماعة الإخوان العالمية في التعامل مع الحالة الإسلامية بالجزائر•• قديما أصر قادة الإخوان، وخاصة المصريون منهم، على تسمية تنظيم جزائري واحد ووحيد كممثل ومعبر عن جماعة الإخوان ومدرستها بالجزائر•• وللأسف، إنجرّوا وراء نوازعهم الشمولية، وغلبت عليهم الروح التنظيمية التي كانت قوية وقتها، في بداية الثمانينيات•• وبناء على معطيات لم تكن دقيقة، إختاروا أن يكون نحناح ممثلا لهم رغم أنه لم يكن، رحمه الله، التعبير الوحيد لمدرسة الإخوان بالجزائر•• كان هناك شخصيات كثيرة تصلح لهذا التمثيل، ومنها الشيخ عبد الله جاب الله خصم نحناح التاريخي!•• كان خطأ أن يختار الإخوان ممثلا وحيدا لهم•• بل كان خطأ أن يصروا على فكرة تحديد شخص أو تنظيم بعينه•• كان أفضل لو تركوا الأمر واحتفظوا، في بلد بالغ التعقيد كالجزائر، بموقع التوجيه والنصح والإقتراب من الجميع والتعامل معهم من مسافة واحدة كمرجعية في الشأن الحركي الإسلامي•• لكنهم وقعوا في فخ التنظيمية وغوايتها•• لقد صار الإخوان طرفا في الصراع•• فخسروا قيادة الحالة الإسلامية الجزائرية برمتها•• وإلا فقد كان في جبهة الإنقاذ نفسها، من يمكن أن ينضوي تحت الجماعة الإخوانية ومشروعها•
يكرر الإخوان الخطأ إذن•• ولكنهم هذه المرة، لا يعرفون أو لا يريدون الاقتناع بأنهم لا سلطة فعلية لهم على إخوان الجزائر••• وأن تدخلهم لن يكون له أي دور، لا في رأب الصدع ولا في حسم الصراع•• في العام الماضي، تدخلت قيادة الإخوان في أزمة إنتخابات ''حمس'' ولم تفلح في شيء•• بل لم تفلح وساطتها حتى بعدما انتقلت إلى لندن وحاولت جمع الأطراف على وفاق•• أكثر من ذلك، فإن بعض قادة ''حمس''، ومنهم الأستاذ، محمد جمعة، بل والسيد أبو جرة سلطاني نفسه، أعلنوا استقلالية ''حمس'' وقرارها•• وهي كانت رسالة لقيادة الإخوان بالخارج••
ثمة مشكل أن جماعة الإخوان، أو بعض قادتها للدقة، لا يدركون أن التنظيم الدولي، الذي تنتمي إليه ''حمس'' والذي يفترض أن يكون مرجعيتها، لم يعد قائما بالفعل•• أنا كتبت دراسة موسعة، قبل ست سنوات، قلت فيها ذلك•• وأشرت إلى الحالة الجزائرية بشكل خاص وكيف أنها تعكس فكرة نهاية التنظيم الدولي•• خاصة حين اختار نحناح الترشح لإنتخابات الرئاسة الجزائرية دون رأي قيادة التنظيم، ثم استمر فيها دون موافقة معظمهم!
رغم هذا الذي قلت فلجماعة الإخوان رمزية ومكانة، هذه الرمزية إلى أي مدى يمكن أن تسهم في حسم الموضوع؟
أتصور أن المجموعة المنشقة لا يمكن أن تكون تبحث في أمر تأسيس حزب جديد•• فالمعقول أنها تهرب من الحزبية لا أن تهرب إليها•• أتصور أنه، في حال ما كان الإنشقاق بغرض استعادة المشروع الدعوي للجماعة، فربما يكون هناك تأثير كبير•• حيث سيأخذ طابع التصحيح الديني لمسيرة ''حمس''، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير على قواعد حمس•• وإن كان بدوره سيضع جماعة الإخوان العالمية أمام تحدي مراجعة مشروعها كاملا، ليس في الجزائر فقط، بل في أكثر من بلد ••
لكن لو كان ما يجري بالجزائر مجرد انشقاق سياسي يخرج به حزب من رحم آخر، فلن يكون لموقف الإخوان المسلمين سوى سلطة رمزية تزيد أو تنقص بحساب، ولكن دون أن تكون فاصلة أو حاسمة•• نعم، قد تخصم من رصيد ''حمس'' وتعزز من قوة الكيان الجديد•• لكن يتوقف تأثير الإخوان المسلمين بحسب القوة الحقيقية لكل طرف وما يملكه من أوراق لعب ومناطق نفوذ داخل الكيان السابق•• وكذلك بحسب المشروع الذي سيطرحه الكيان الجديد•• أتصور أن الأخير يمكن أن يضم كل الرافضين لسياسة التحالف التام مع النظام، وكذلك المتضررين والرافضين لطريقة إدارة سلطاني وإخوانه لحمس•• ويمكن ساعتها أن يطرح الحزب الجديد صياغة مختلفة للعلاقة مع النظام الحاكم تنأى به عن هذا الشكل الفج للتحالف، والذي قضى على صورة حمس في الشارع الجزائري وقلل من فرص الرهان عليها كحل في أزمة الجزائر••• ما أريد قوله، أن الداخل وقضاياه ومشاكله هو الذي سيحسم الصراع وليس الخارج الإخواني•• الأخير يمكن أن يدفع باتجاه الحسم•• لكن لا بد أن يكون للحزب الجديد مشروع يجمع عليه ''الحمسيون''•
هذا المشروع الذي يقولون أنهم يحملونه ويقولون أنهم يريدون تصحيح ما يصفونه بـ ''إنحراف حمس''، هل يمكن لتأييد الإخوان لهم أن يكسبهم ولاء مناضلي ''حمس''؟
لست في وضع يعطيني جرأة التوقع في مثل هذا الأمر•• وكما قلت لك، فالأمر متعلق بطبيعة المشروع الذي يطرحه المنشقون، هل هو تصحيح لمسار إخوان الجزائر وإعادة بوصلته بعيدا عن السياسوية•• أم مجرد خلاف داخل الأطروحة السياسية•• إذا كان الأمر له صلة بالسياسة، فلا أتصور فكرة أن دعوة من إخوان الخارج يمكن أن تهدم حزبا قائما أو تنشئ حزبا جديدا وتدفع به إلى الصدارة•• كان هذا ممكنا قبل عقدين من الزمان•• لكن تطورات الحالة الإخوانية والإسلامية، بشكل عام، يقلل من إمكانيات حدوث هذا حاليا••• الممارسة السياسية للإسلاميين، الآن، تتم على أرضية السياسة وبمنطقها، وليس على أرضية الدعوة والدين•• وإذا رفعت راية السياسة تساوت رؤوس كل من يعمل تحتها!
ما هي التأثيرات التي تعتقد أنه بإمكانها أن تحدث على مستوى الحزبين القديم والجديد؟
هذا سؤال ليس باستطاعتي الإجابة عليه بدقة•• لا أريد أن أبدو جريئا على الإدلاء بتحليل دون معطيات كاملة•• وما أتوقعه، أننا سنكون إزاء كيان دعوي فكري أكثر منه حزب سياسي جديد•• الأغلب هو أننا إزاء محاولة تصحيحية لمسار جماعة الإخوان وليس إزاء انشقاق سياسي•• لو صح هذا، فالمستقبل سيكون مختلفا!
خلال الرئاسيات الماضية ترشح للانتخابات، الدكتور محمد جهيد يونسي باسم الإسلاميين، وهو شخص لا ينتمي إلى حركة الإخوان، وله طرح جديد يقترب من طرح ''العدالة والتنمية'' التركي، إلى أي مدى ترى أن مثل هذا الطرح يمكن أن يكون له صدى لدى الإسلاميين الجزائريين؟
بعيدا عن شخص الأستاذ يونسي، وملابسات تجربته، أتصور أن النموذج الذي يمثله هو الأقرب لخيال الإسلاميين السياسيين، ليس في الجزائر وحدها، بل في أكثر من بلد• أطروحة ''العدالة والتنمية'' هي الغالبة والجاذبة للإسلاميين إذا ما توفر السياق السياسي المشابه لتركيا•• أنا كتبت من قبل عن ظاهرة أحزاب العدالة والتنمية الإسلامية•• وأتصور أنها في صعود•• لكن بشرط وجود نظام ديمقراطي يقبل بوجود الإسلاميين سياسيا كرقم حقيقي وليس كديكور سياسي، كما في حالة ''حمس'' وغيرها.
موقع الجزائر نيوز