عمرو خالد ..في مديح مكرمة التايم ومتعة الجلوس مع كيسنجر!
صحفي وباحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع، ومن ثم لم اشتبك مع الجدل الذي دار حول موقف عمرو خالد من التكريم؛ يقبل أم يرفض؟ يسافر أم يعتذر؟ يسلم علي تسيبي ليفني – وزيرة خارجية الكيان الصهيوني- أم يمتنع؟..لقد صرت أشعر بالتشبع وربما الملل مما يسمي بظاهرة الدعاة الجدد..ربما لأنني اشتغلت عليها متابعة وبحثا قرابة ثلاثة سنوات، أو لأن القناعة التي استقرت عندي أنها قد تكون جزءا من الأزمة التي نعيشها ولكنها لن تكون جزءا من الحل الذي تنتظره الأمة، فهي –ظاهرة الدعاة الجدد- جزء من ثقافة الاستهلاك التي اجتاحت عالمنا فصرنا نسمع جعجعة من دون أن نري طحنا بعدما انصرف الدعاة الجدد إلي منافسة نجوم السينما والغناء في ألوان الجذب والإثارة للفوز بحصتهم في سوق العرض والطلب الديني الذي دخله كبار المستثمرين من لدن صالح كامل إلي الوليد بن طلال..والأسوأ لم يأت بعد!
ما استفزني للكتابة في الموضوع الحوار الذي أجراه الصحفي الموفق علاء الغطريفي مع عمرو خالد ونشرته صحيفة المصري اليوم في عدد الاثنين 21 مايو 2007. والذي أراه نموذجا لأزمة عمرو خالد ومعظم أبناء هذا الجيل من الدعاة.
قبل التطرق لما صرح به عمرو خالد في الحوار ولكي نضع الموضوع في سياقه الدقيق يجب أن نقول أن اختيار التايم لعمرو خالد ضمن أكثر مائة شخصية في العالم تأثيرا له ما يبرره ولكنه لا يمكن أن يكون له قيمة في ذاته. فالغرب دائما يهتم بعوالم الأفكار والأشخاص والأحداث بقدر ما يكون لها من تأثير وليس من قيمة في ذاتها..لذا فاختيارهم لعمرو خالد له ما يبرره باعتبار جمهوره الكبير خاصة من الشباب والنساء وليس لأهمية ما يطرحه وأظنه قليل الأهمية إذا ما قورن بأفكار لمصلحين ومجددين كبار في الأمة لم تهتم بهم التايم ولا غيرها.
وللتوضيح أشير إلي أن صحيفة النيوزويك اختارت- قبل عامين- عمرو خالد نفسه ضمن أهم أربعين شخصية في العالم العربي ولها الحق أيضا...ولكن كان معه في الاختيار أيضا المغنية اللبنانية نانسي عجرم باعتبارها أعادت الاعتبار لفكرة المتعة والمرح لدي العرب!..فمعيار الاهتمام لدي الغرب – كما قلت- هو التأثير والضجة التي يحدثها والانتشار الذي يحوزه..ومن هنا يستوي عند التايم والنيوزويك وأخواتهما عمرو خالد مع نانسي عجرم مع شعبان عبد الرحيم كظواهر اجتماعية تحوز اهتمام الناس وتتكون لها شعبية بينهم تجعلهم موضع اهتمام ومتابعة دائمين.
هذا من ناحية المبدأ..أما من حيث المضمون فإن اهتمام الغرب بعمرو خالد رهن بالنموذج الإسلامي الذي يبحث الغرب عن ترويجه والتسويق له في المرحلة المقبلة ضمن استراتيجية معروفة لنقل المعركة داخل الإسلام نفسه..طبعا في هذا الإطار لن يجد الغرب أفضل من " الأخ " عمرو خالد الذي يقدم ما أسميته في دراسة نشرتها عنه قبل أربعة أعوام "الدايت إسلام" أو " الإيركونديشن إسلام" ..إسلام منزوع المقاومة وبلا أي نفس نضالي..إسلام الرفاهية الذي أقصي ما يطمح له هو "أسلمة" الغرب وتوطين أفكاره وقيمه الأساسية في العالم الإسلامي بعد أن يكسوها بديباجات إسلامية!
قرأت حوار عمرو خالد أكثر من مرة وأزعجني كثيرا الإحساس المتضخم بالذات و" الأنا " العالية لدي الأخ عمرو..حتى أن القارئ سيجد أن اسمه أكثر ما تكرر في الحوار ليس علي لسان الصحفي المحاور وإنما علي لسان عمرو نفسه...لدرجة أن اسمه يتكرر في الحوار أكثر من عشر مرات نصفها علي لسانه هو! ..هذا فضلا عما تجشمه من عناء سرد وقائع اهتمام العالم به وبدعوته وكيف استقبلوه وكيف لفتت كلمته الانتباه دون بقية الحضور وكيف خاطر الخادم بأن يتحدث معه- سرا طبعا- عن اقتناعه به..وكيف وكيف حتى لكأن القارئ للحوار يشعر أن المتكلم هو أحد نجوم الغناء والطرب أو أفلام الأكشن الذين يحاولون تأكيد موقعهم علي الخريطة الفنية وإفحام الخصوم والأعداء ..
إن أحدى أكبر كوارث هذا الجيل من الدعاة أن النجومية هي المفتاح الرئيسي لشخصيته وأن النجم حاضر في تكوينهم أكثر من حضور الداعية ..إننا أمام حالة غريبة علي عالم الدعاة يتمحور فيها الداعية/ النجم حول الذات ويجيد تسويق بضاعته ويتقن فنون المظهر..إنها حالة تجعلنا بإزاء سؤال عن وسائل التكوين والتربية والتثقيف التي يتعامل معها دعاة هذا الزمن والتي أكاد أجزم أنها صارت تخلو من كل ما استقر من ثقافة دعوية تقوم علي إنكار الذات وخوف الفتنة وخشية الزلل ..وأحسب أن كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الغزالي أو شرحه مختصر منهاج القاصدين قد تجاوزه زمن الدعاة الجدد أو علي الأقل ربع المهلكات منه!
ورغم خطورة هذا " الأنا " المتضخمة خصوصا حيت تتلبس داعية وليس لاعب كرة أو نجم سينما فإن خطرها لا يقارن بهذا الاستلاب والهزيمة الساحقة أمام الغرب وهو الاستلاب الذي جعل من الغرب قبلة عمرو ومبتغاه...فعمرو خالد يري نفسه ناجحا بقدر ما أثار من انتباه وإعجاب الغرب، وتتأكد له أن مبادرته في الحوار مع الدنمارك كانت ناجحة فقط لأن التايم الأمريكية جعلتها سببا من أسباب اختياره ضمن المكرمين، وأن الصورة التي يقدمها عن الإسلام هي الحق الذي لا باطل فيه لمجرد أن سكرتير الأمن القومي الأمريكي السابق هنري كيسنجر رحب بها..ثم يطمئن قلبه بالإيمان لأن الحضور قاطعوا كلمته بالتصفيق بل ومن فرط إعجابهم به شيعوا مسيرته من المنصة إلي منضدته بتصفيق متواصل!! ثم هو يعلن لنا في حواره المثير بعد أن مهد لمفاجأته بأنه صار خبيرا بالغربيين ويعرف إذا ما كانت ابتسامتهم صفراء أم حقيقية يعلن السيد عمرو خالد أنه بمداخلته التي لم تتجاوز ثلاثة دقائق قد غيّر أمريكا يطلق عمرو خالد مفاجئته قائلا وبالنص: لا أريد المبالغة.. إنني غيرت أمريكا!!
..أحسب أنها أكبر خسارة للصحفي المتألق علاء الغطريفي أن حواره مع عمرو خالد لم يكن علي الهواء مباشرة وإلا لكان له حق ملكية واحد من أهم مشاهد الدراما العربية التي افتقدناها من لدن رحيل يوسف بك وهبي خاصة لو كان الحوار بحضور بعض من جمهور الأخ عمرو خالد الذي لم يكن ليتوقف عن قول ما شاء اللهّ! الله أكبر! قل جاء الحق وزهق الباطل. وما النصر إلا من عند الله.
أتصور أن ما قاله عمرو خالد في حواره يؤكد أن نظرته إلي الغرب تبدو غير سوية بل ومرضية وأكثر من هذا بها قدر مخيف من الإحساس بالدونية..فهي تتجاوز الرغبة في التأثير فيه ( وهي رغبة مشروعة وإن كان مبالغ في التعويل عليها أو التضخيم من نتائجها ) إلي أن يصبح الغرب مرجعية عمرو في أقواله وأفكاره ووجهته ومعيار نجاحه من فشله بل ومعيار صدقه من زيفه..وإذا قالت حذام فصدّقوها فإن الصدق ما قالت حذام..ولا أتصور أن داعية صاحب رسالة يثق في نفسه ويحترم ذاته يقول للصحفي الذي يحاوره مباهيا ويكاد لا يصدق نفسه : لك أن تتخيل من بين الشخصيات التى تحضر الحفل..فعلي نفس منضدتي كيسنجر وفي المنضدة المقابلة مايكل جوردون لاعب السلة الشهير ومشاهير آخرون!.أي انسحاق هذا وأي إحساس بالدونية حين تصبح جلسة مع بعض المشاهير فوق خيال داعية إلي الله؟!
يوما بعد يوم يتأكد لي أن عمرو خالد يهتم في أفكاره ومشروعاته بالغرب أكثر مما يهتم بالمسلمين أنفسهم بدعوي تحسين صورة الإسلام ( ويقصد بها الإسلام كما يفهمه هو طبعا ) لدي الغرب..ويبدو أن هناك صراعا في المنطقة علي من يصبح الوكيل الحصري لمشروع تحسين صورة الإسلام !
أتصور أن أفكار عمرو خالد ومشروعاته تنسج – بوعي أو من دون وعي-علي المنوال الغربي..فلماذا كيف نتعايش وليس كيف نتحرر أو نستقل من الإرادة الأمريكية المهيمنة..وهل صحيح أن الطائفية هي الخطر الأكبر الذي يهدد مصر الآن كما يقول ( هل هو محض تشابه مع أفكار سعد الدين إبراهيم ؟) أم أن الأمر يتصل بالاستبداد والقهر وبهيمنة الخارج علي الإرادة السياسية المصرية؟
حتى موضوع زيارته للدنمارك التي كرمته بسببها التايم تبدو فيه عيون عمرو خالد شاخصة نحو الغرب دون أن تعير أهله وأبناء وطنه مجرد التفاتة..فعمرو حين أطلق مبادرته الكبرى، التي قفز فيها علي مسلمي الدنمارك وأظهرهم بمظهر المتشددين ضيقي الأفق والصدر، تجاهل تماما اهتمامات الناس في بلده بل ومعاناتهم ، وفي الوقت الذي كان يجمع فيه الشباب للسفر إلي الدنمارك بل ويحشد الدعم المالي للغزوة المظفرة كانت هناك مأساة مصرية مرعبة تتمثل في أكثر من ألف مفقود من الفقراء ضحايا عبارة الموت وعشرات آلاف من أسرهم المكلومة تفترش الأرض وتلتحف السماء حزنا علي من ماتوا وبحثا عن جثثهم التي أكلتها أسماك القرش في البحر الأحمر ولم يفكر عمرو وفريقه الشبابي صاحب المبادرات في مبادرة شبابية للتخفيف من الفجيعة أو استعادة حقوق الضحايا أو جمع أموال لرعاية الأسر التي فقدت عائلسها.. وفي الوقت نفسه الذي خاض حربا ضروسا إصرارا علي إنفاذ غزوة الدنمارك الحوارية كان هناك أكثر من ستة ملايين مصري خربت بيوتهم بسبب توقف صناعة الدواجن التي قضت عليها كارثة انفلونزا الطيور ولم يفكر عمرو في مبادرة لهم..طبعا عمرو لم يهتم بمثل هذه القضايا " الصغيرة" ربما لأن الميديا الغربية لم تكن توليها اهتماما يذكر مقارنة بالأزمة الدنماركية!
فعمرو خالد لا يتحرك إلا علي وقع فلاشات الكاميرا والميديا في عالمنا البائس نخبوية ظالمة قلبها من حجر لا يمكن أن تهتم بفقراء مصر ممن ماتوا في عبارات الموت أو فقدوا أرزاقهم في طاعون أنفلونزا الطيور..وهي تفضل طاولات الحوار الدنماركية عن وجوه الفقراء البائسة!
أما ما أضحكني في الحوار وشر البلية ما يضحك هو قدر المبالغات التي تضمنها حديث الأخ عمرو عن تأثير أفكاره في الغرب أو كيف يمكن أن تعيد الاعتبار للإسلام في الوعي الغربي: كيف أعطوه وحده كمسلم عربي الكلمة في الجلسة الافتتاحية، وكيف أن الأخ هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية المراوغ أذهلته أفكار عمرو " المستنيرة " بل ورأي فيها (وهو الذي يعرف العالم العربي كما لو كان من أهله) دعوة جديدة لم يسمع بها من قبل في الأقطار الإسلامية!..عمرو يتكلم كأن الأمة كانت من قبله نسيا منسيا ..وكأن العالم الإسلامي خلا من العلماء قبله وكأن أمريكا لم تسمع- مثلا- بالغزالي ولا القرضاوي ( وهو علي قوائم الممنوعين من دخولها ! ) بل وربما ظن عمرو أن الرجل الصالح كيسنجر سيصدر توصياته للإدارة الأمريكية لتراجع موقفها من الإسلام بعدما وصله خالصا مصفي كالماء الزلال من فم عمرو خالد في الثلاثة دقائق التي تكلم فيها في حفل التايم!.أي عبث هذا بالعقول؟ وأي استخفاف بخلق الله؟
أقولها ناصحا قبلها الرجل أو صد عنها الآذان: إن عمرو خالد بأمس الحاجة إلي تجاوز حالة الاستلاب التي يعيشها تجاه الغرب..وعليه أن يتواضع في شأن أفكاره ( إن كانت له أفكار جديدة ) ويتواضع أكثر في شأن تأثيره في الغرب..ويدرك أن الحوار يكون بين مختلفين وليس عبر إعادة إنتاج الآخر في ثوب إسلامي! كعادة النجم الذي لا يتحرك إلا ويحدث ضجة ويجذب الأنظار انتهت رحلة عمرو خالد إلي أمريكا لحضور حفل مجلة "لتايم " لأكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم.