الإسلام في فرنسا .. يبدأ من المساجد ولكن لا ينتهي بها
صحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قليلة هي الكتب التي تتحدث عن الإسلام في فرنسا رغم أن عمر الوجود الإسلامي فيها قارب القرن، إذ لا يكاد القارئ المهتم يتذكر من المؤلفات سوي عدد قليل جدا ربما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ربما أشهرها للقارئ العربي كتاب جاك فريمو: فرنسا والإسلام من نابليون إلي ميتران ( 1991) وكتاب كريجير كرينيكي: المسلمون في فرنسا- الدين والثقافة،أو كتاب: فرنسا والإسلام لبرينو ايتيين، وأهمها علي الإطلاق كتاب جيل كيبيل الشهير : ضواحي الإسلام- ولادة دين جديد في فرنسا. وربما باستثناء كتاب كيبيل غلب الطابع التاريخي والسياسي علي هذه الكتابات ولم تتغلغل في التركيبة الإسلامية الحقيقية داخل فرنسا .
ومؤخرا ( في سبتمبر الماضي 2002تحديدا) صدر في فرنسا كتاب: فرنسا المساجد )Les france des mosques(
الذي يمكن أن يعد واحدا من أهم الكتب في الشأن الإسلامي الفرنسي في السنوات الأخيرة. مؤلف الكتاب هو إكزافييه ترنسيان وهو محرر الشئون الدينية في جريدة اللوموند الفرنسية ومن ثم فهو المشرف علي الملف الإسلامي فيها ويعد من أبرز الصحفيين الفرنسيين المختصين في الشأن الإسلامي وعرف بحياديته وبعده عن الأيدولوجيا في وقت كان التحامل السمة العامة لكل الكتابات التي تتناول الِشأن الإسلامي ومن خلال صداقة شخصية مع الكاتب أستطيع القول أنه يبدو أكثر حرصا علي الفهم منه إلي التقييم في دراسته للظاهرة الإسلامية إذ لا تغادر يده مفكرته التي يسجل فيها بحرص شديد كل شاردة وواردة يقع عليها في الشأن الإسلامي ويحرص علي الإلمام بكل مفردات ملفه بما فيها اللغة العربية التي لم يتردد في دراستها للاقتراب أكثر من الإسلام فضلا، كما يتمتع بعلاقات جيدة وواسعة مع معظم الفاعليات والشخصيات الإسلامية في فرنسا حتي أن مؤسسة مثل اتحاد المنظمات الإسلامية الذي يمثل الإخوان المسلمين طلب منه إعداد كتاب عن الاتحاد وهو ما يعكس حجم الثقة التي تتأكد إذا ما عرفنا أن الطلب من تنظيم إسلامي كالإخوان المسلمين.
فرنسا المساجد هو ثالث كتاب لترنسيان وسبقه بكتاب عن اليمين المتطرف والكنيسة (1997) و الكاثوليك في فرنسا ( 1996) وهو أول كتاب له عن الإسلام منذ اشتغاله بالملف الإسلامي عام 1993 ، كما أنه أول كتاب عن المسألة الإسلامية في فرنسا بعد كتاب جيل كيبيل الشهير ( ضواحي الإسلام)، وفي حين كان كتاب كيبيل دراسة اجتماعية جاء كتاب اكزافييه صحفيا بامتياز حيث اعتمد مؤلفه فيه علي تحقيقاته الصحفية حتي في صياغاته وعناوينه
عنوان الكتاب يوحي بغير مضمونه ومحتواه وربما ظن معه القارئ أنه دراسة عن المساجد في فرنسا من حيث الدور والبناء والتقسيم العرقي والطائفي علي نحو ما هو موجود في الغرب خاصة وأن كتبا صدرت بهذا العنوان من قبل كان آخرها ( مساجد نيويورك) للمهندسة الأمريكية جيريلين دودز الصادر في الولايات المتحدة العام الماضي.
كان العنوان المفترض ( الإسلام في فرنسا) أو ( فرنسا المسلمة) والعنوان الثاني هو ما اقترحه المؤلف- كما روي لي - لكن الناشر اعترض عليه لوجود عنوان مشابه له في قائمة الكتب التي تعدها داره للنشر( albin michel )التي تعد من كبريات دور النشر الفرنسية، ورشح له عنوان ( فرنسا المساجد)!.
الطريف أن اكزافييه لا يري مشكلة في ذلك لأن عليه أن يكتب فحسب أما العنوان -في رأيه- فهو من حق الناشر لأنه لابد وأن يخضع لاعتبارات تسويقية. إضافة إلي أنه- العنوان- مناسب إلي حد كبير لفكرة الكتاب لأن أي حوار عن الإسلام في فرنسا تكون قضيته الساخنة المساجد( بنائها، أعدادها، تقسيماتها العرقية، ارتفاع المآذن، صوت الآذان..) في حين أن ما يحتاج فعلا للمناقشة والاهتمام كما يري المؤلف ليس للمساجد بل لأشياء أخري تسبقها ربما علي رأسها المقابر ومحلات الحلال وشباب الضواحي والبطالة..والسجون مثلا التي يمثل فيها المساجين المسلمون أعلي نسبة دونما أي وجود لرعاية أو خدمات خاصة بهم. وكثيرا ما تكون القضايا المتعلقة بالمساجد متوهمة وأحيانا فانتازية مثل صوت الأذان وارتفاعات المآذن في حين أن معظم مساجد فرنسا ليست مساجد بالمعني الحقيق بل أقرب إلي مصليات صغيرة لا توجد بها مآذن كما لا تستخدم فيها مكبرات الصوت لرفع الآذان!
وعلي غلاف الكتاب تجد صورتين تعبران كثيرا عن المضمون الأولي لمسجد باريس الشهير الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية تكريما للمسلمين الذين ماتوا في الحرب دفاعا عن فرنسا أما الثانية فهي لمصلي ملحق بأحد مصانع شركة رينو للسيارات في إشارة إلي أن المساجد في فرنسا ليست بالضرورة ما نعرفه فمعظمها لا يعدو أن يكون مصليات صغيرة أو هناجر مستأجرة وليست بالضررة مبني ضخم كمسجد باريس
ولا يقتصر المؤلف علي التيارت الإسلامية فقط بل يتطرق أيضا إلي الجمعيات الخيرية والطرق الصوفية التي كانت سببا في كثير من حالات التحول إلى الإسلام بين الفرنسيين. فقام بتخصيص فصل عن المهتدين إلى الإسلام، والذين غالباً ما يكون الإسلام طريقهم الأول لمعرفة الله والإيمان به. وينتقل في النماذج التي يعرضها من المهتدين بالتفكير العقلي إلى المهتدين بالتجاور والعيش المشترك مع المسلمين ومعظمهم تتراوح أعمارهم في الغالب بين الثامنة عشر والرابعة والعشرين. ولا ينقص هذا الفصل الجيد سوى أنه لم يقترب من التحول إلى الإسلام بين المهاجرين السود.
وفي الفصل الحادي عشر "شخصيات مضيئة" يقدم المؤلف عددا من الشخصيات البارزة التي يري أنها تلعب دورا إيجابيا بين المسلمين والقاسم المشترك الأغلب بينهم هو انتماؤهم لجيل الشباب أو أن جمهورهم من الشباب أو أن آراؤهم شبابية! وفي مقدمة هذه الشخصيات يتحدث عن طارق رمضان الذي تحول إلى مرجعية أساسية لتيار حديث معظمه من الشباب المسلم. وطارق هو حفيد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وابن سعيد رمضان الذي هرب من مصر إبان المواجهة بين الإخوان وجمال عبد الناصر ليؤسس المركز الإسلامي في جنيف وهو أستاذ للفسفة وله آراء واجتهادات إسلامية ليبرالية تثير الاختلاف بين التيارات الاسلامية وإن كان من الوجوه المقبولة في المجتمع الفرنسي ومن ثم فصفة المضيئة تبدو من وجهة النظر الأوربية بالاساس التي يمثلها الكاتب الذي يري أن أعمال رمضان- وهو من أشد المعجبين به- يستحق بكتاباته وأفكاره التحية والتشجيع وإن كان لا يلقي قبولا عند كثير من علماء المسلمين، ويتنافس مع رمضان الداعية الشاب حسن القيسوني الذي يشاركه جمهوره من الشباب المسلم. كذلك مفتي مارسيليا صاحب الآراء المتحررة صهيب بن شيخ الذي لا يعجب جمهور المسلمين ولا حتي المؤلف نفسه..
أما الفصل الأخير فيتناول "طريق الفتوى الطويل". فيتناول كيف تتغير الفتاوي الإسلامية خاصة التي تتعلق بالمرأة والسياسة لاعتبارت تغير الواقع والأفهام والمستجدات وعلي رأسها أحداث سبتمبر التي صدر الكتاب في ذكري مرور عام عليها ويضرب مثالا علي ذلك بحد الردة وكيف افتخر اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية- في حشده السنوي في بورجيه- بتوصله إلى حذف الفقرة الخاصة بالردة من النص المقدم إلى الممثلين المسلمين لتوقيعه.
بالاجمال يمكن القول أن الإسلوب السهل البانورامي الذي كتب به المؤلف / الصحفي كتابه لم يكن علي حساب مادته وأفكاره كما يتصور البعض بل أضاف كثيرا إلي حقل الدراسات الخاصة بالإسلام في فرنسا خاصة فيما يتعلق بالمعلومات التي ربما لم يكن يمكن لغير صحفي متخصص أن يجمعها.
يقسم المؤلف كتابه إلي 12 فصلا تغطي كل الموضوعات التي يتصور أنها تتعلق بالإسلام في فرنسا إضافة إلي مقدمة يخصصها المؤلف للحديث عن خطر الإسلاموفوبيا. فاكزافييه رغم تأكيده علي قناعته بما يطلق عليه خطر التهديدات الإسلامية، وخطر تحول المجتمع الإسلامي إلى الراديكالية. وهو ما يعززه – في رأيه-النجاح الذي صادفته التيارات السلفية في الضواحي وتزايد مبيعات الكتب القادمة من المملكة العربية السعودية في المكتبات الإسلامية وكذلك بعض المواقع السلفية علي الانترنت( مثل إسلام- أمة والمركز الإسلامي) والتي يراها نذير خطر، رغم ذلك يحذر المؤلف من خطر الخوف من الإسلام والذي يحول دون التعرف علي الإسلام علي حقيقته
في الفصلين الأول والثالث يتحدث المؤلف عن المساجد والمصلين خاصة الفصل الأول" يوم جمعة في مسجد" .ففي فرنسا نحو 1600 مسجد ومصلي يقوم عليها نحو ألف إمام، منهم 40% من المغربيين، و24% من الجزائريين، و15% من الأتراك، و9% فقط من الفرنسيين. ويتفاوت تأثير حكومات الدول التي تحدر منها هؤلاء الأئمة عليهم فيقل تأثير الحكومة المغربية عليهم مقارنة بالتأثير الجزائري والتركي التي مازال كثير من الأئمة الجزائريين والأتراك مرتبطين ماديا ورسميا بحكومات بلادهم. كما يشير إلي وجود تأثير للإخوان المسلمين في مسألة تعليم وإعداد الأئمة
الكتاب يشير إلي أن نسبة الملتزمين بتأدية الشعائر بين المسلمين المولودين في فرنسا تبلغ (28%)، بينما المولودين خارجها (44%). أما الملحدين فيزداد عددهم في الجزء الأعلى من الطبقة الوسطى ( البرجوازية) وتصل نسبتهم إلى 9%. وفي حين أن 50% من المحتجزين في السجون هم من أصل مسلم، فإن عدد المرشدين المسلمين لا يتجاوز أربعة وأربعين. في حين انه يوجد 300 مرشد كاثوليكي غير الأحبار اليهود والمفارقة أن الأخيرين هم من يوزع القرآن علي المسلمين في السجون! وهو ما جعل اكزافييه يؤكد أن قضية المساجد متوهمة وتأخذ أكثر من حقها إذا ما قورنت بقضية السجون أو حتي المقابر التي يعاني بسببها المسلمون كثيرا فالتخطيط للمقابر ومساحاتها يتم طبقا للقوانين المحلية التي لا تراعي الشروط والمتطلبات الإسلامية في هذه المسألة وهو ما ينتج عنه أن نحو 90% من مسلمي فرنسا يدفنون موتاهم في بلادهم الأصلية وغالبا بوصية منهم رغم أنهم مواطنون فرنسيون لهم كل حقوق المواطنة.
اكزافييه يؤكد أن عدد المساجد يكفي المسلمين ولكن المشكلة تكمن في توزعها الجغرافي حيث يتركز معظمها في الضواحي البعيدة عن قلب المدن وهو ما يعني أن شريحة البرجوازية المسلمة التي تعمل في وسط المدن لن تجد وقتا للصلاة في هذه المساجد لبعدها .
الموزاييك الإسلامي في فرنسا
الفصل الثاني عن الإسلام في فرنسا ويستعرض فيه تركيبة وأعداد المسلمين في فرنسا الذين يترواح تقديراتهم بين أربعة إلي خمسة ملايين نصفهم فقط يحمل الجنسية الفرنسية وهذا الرقم يجعل الإسلام الديانة الثانية في البلاد بعد الكاثوليكية( ثلاثين مليون كاثوليكي).
ويرصد المؤلف أن تركيبة المسلمين أشبه بالموزاييك في فرنسا حيث يتوزعون علي عرقيات ومذاهب وأصول لغوية وأثنية وثقافية واجتماعية مختلفة ويقدم الكتاب وصفا دقيقا للتركيبة الاسلامية في كل مدينة ؛ فهناك نحو 200 ألف مسلم في مارسيليا منهم 70 ألف ينحدرون من جزر القمر وحدها..وهكذا ويستعرض المؤلف التركيبة في بقية المدن الأخري : تولوز وستراسبورج وليل ونانت ا وبوردو ومونبلييه ..وغيرها من المدن التي يركز فيها الوجود الإسلامي مثل مرسيليا أو شمال باريس التي يزيد عدد المسلمين في بعض مناطقها عن عدد الكاثوليك وهي المدن التي خصص لها فصلا ضمن فصول الكتاب ( الخامس).
***ويخصص المؤلف في كتابه الذي يغلب عليه الطابع البانورامي أربعة فصول للتيارات الإسلامية المختلفة التي تتوزع عليها المسلمون في فرنسا فيخصص فصلا باسم "سديم الإخوان المسلمين"عن الإخوان المسلمين من خلال اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (والذي تحول إلى اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية منذ عام 1990) . والذي يدعو بأن يكون للمسلمين وضع معترف به كأقلية مقبولة "دون اشتراط لتطبيق الشريعة على المجتمع بأسره طالما أن المسلمين أقلية" ويرصد دخول الاتحاد في مجال العمل التجمعي حيث ارتبط بعلاقات مع 250 هيئة وجمعية ويرصد الكتاب أن انتشارهم يتركز بالأساس بين الطلبة المهاجرين للعمل أو الدراسة في فرنسا خاصة من العرب. كما يخصص فصلا عن جماعة التبليغ (الإيمان والعمل) الذين يعتمدون إسلوب توصيل الدعوة إلى المنازل والذين يرجع تاريخ وجودهم في فرنسا إلي أوائل الستينيات من القرن العشرين وينتشرون بشكل أساسي بين العرب والبنغال. ويديرون نحو مائة مسجد ومصلي. وخصص كذلك فصلا للسلفيين أو الوهابيين الذين يعتبرهم حديثي الوجود في فرنسا والذين يمثلون في رأيه الإسلام الصارم وعرض لمساجدهم ومكتباتهم ومواقع الانترنت المعبرة عنهم (centreislamique/ .islam-ouma ) ويسجل المؤلف ملاحظته بأن هناك تقاربا بين السلفيين والتبليغ ويرصد حرص السلفيين علي التواجد في مساجد التبليغ، كما يسجل أن انتشار السلفية في الأوساط الفقيرة وبين أبناء الضواحي حتي من غير العرب ممن يعانون مشكلات في البطالة أو الاندماج علي عكس الإخوان المسلمين الذين يحتفظون بتواجد جيد بين الطبقات الوسطي والبرجوازية ولا يعانون نفس المشاكل في الاندماج، هناك ولا ينسي الكاتب في عرضه البانورامي الأتراك الذين يمثلون قوة لا يستهان بها وقطاعا منفصلا عن الجالية المسلمة في مؤسساتهم ونشاطاتهم وحركتهم بل وفي أدائهم للشعائر إلي حد أنه – كما يرصد الكاتب- لا تجد تركيا يصلي في مسجد للعرب! وقد خصص لهم الباحث فصلا من خلال رصده لحركة مللي جورش الإسلامية التي تنتشر بين الأتراك في كل أوربا وتقوي في العديد من دول أوربا وخاصة ألمانيا وهي تمثل الجناح الأوربي لحزب الفضيلة الإسلامي قبل حظره ثم انقسامه لحزبين العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الحالي والسعادة بزعامة رجائي كوتان وبقايا رجال نجم الدين أربكان الاب الروحي للحركة الإسلامية التركية.