الأقليات المسلمة وإشكاليات الهوية بين الوطن والأمة الإسلامية : حوار مع الكاتب الهندى د / ظفر الإسلام وحيد الدين خان
صحفي وباحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الأمة الإسلامية شئ غير واقعى ومفهوم تجاوزه الزمن يجب أن ندرك أنه انتهى ولم يعد يبقى لاى مسلم سوى وطنه لذا لابد أن يتجاوز المسلمون عقدة الصدام بين انتمائهم لشيء (متوهم) وبين الولاء للاوطان التى يعيشون فيها بالفعل وفى النهاية ينبغى أن يكون انحيازهم لصالح ما هو حقيقى وواقعى ! .
هذا هو المضمون المفصلى للحوار مع الدكتور ظفر الإسلام خان
الفكرة ليست جديدة لو خرجت من مستشرق أو باحث أوربى ؛ ولكن جدَّتها وخطورتها أن صاحبها هو أحد الكتّاب المسلمين البارزين فى الهند يمكن تصنيفه باعتباره (اسلاميا) وهو انتماء يعطى لطرحه أهميته الخاصة والتى تزداد حين نعرف أنه ابن الأستاذ (وحيد الدين خان) أحد أشهر المفكرين المسلمين وأكثرهم إثارة للجدل ومترجم كتابه المعروف فى عالمنا العربى (الإسلام يتحدى) .
ولكى تكتمل الصورة فإن ظفر الإسلام (53 عاما) يعمل مديرا لمعهد الدراسات الإسلامية والعربية بالعاصمة دلهى ويرأس تحرير صحيفة (مللى جازيت) ومجلة (مسلم اند عرب) الإنجليزية ومجلة (التاريخ الإسلامى) الإنجليزية العربية . وكان قد حصل على الليسانس من جامعة (لاكنو) الهندية فى العلوم الشرقية ، والماجستير من (دار العلوم) المصرية فى التاريخ الإسلامى .
أما الدكتوراه فكانت عن (مفهوم الهجرة فى الإسلام) من جامعة (مانشستر) البريطانية وهى التى تلخص أطروحته فى هذا الحوار ، ومثلما تنوعت المدارس العلمية التى تحصل منها على شهاداته تنوعت أيضا موضوعات كتبه التى تجاوزت الثلاثين كتابا أصدر أولها فى مصر مثل أن يتجاوز العشرين ، فضمتها تخصصات وعلوم شتى : تاريخه وفلسفية وعقائدية لاهوتيه وفقهية وسياسية بثلاث لغات : الإنجليزية والعربية والأوردية قبل أن ابدأه بأسئلتي طلب 0ظفر الإسلام أن يستهل الحديث بعرض كامل غير مجتزى لأفكاره (الحساسة) حتى يمكن فهمها على النحو الذى يعينه ، لم يمهلنى الموافقة فقال :
فكرة الأمة الإسلامية الواحدة أفرزها وضح تاريخى معين كانت فيه دول إسلامية واحدة تضم حدودها كل المسلمين هى دولة الرسول والخلفاء الراشدين وربما استمرت إلى فترات من الدولة الأموية ، لم يكن أثناءها المسلمون يخرجون إلى البلاد غير المسلمة إلا للتجارة أو للسفارة أو غيرها من الأغراض المؤقته ثم لا يلبثون العودة ثانية إلى الدولة الإسلامية .. ولان العلاقات بين الدول فى العصور الوسطى كانت قائمة على (التوسع) وسعى كل دولة للاستيلاء على اراضى غيرها ظهرت التقسيمات القديمة فى كتب السياسة الشرعية للعالم إلى دار إسلام (تضم كل أراضى تابعة للحكم الإسلامى) ودار كفر (هى كلما لا يسرى عليه قانون وحكم الإسلام ، ورفق ذلك) .
ظهرت تصنيفات فقهية للعلاقات بين الدولة الإسلامية (دار الإسلام) وغيرها من الدول غير الإسلامية والتى رأينا فيها مصطلحات مثل دار الحرب ، ودار الأمن ، ودار الموادعة .... الخ حسب العلاقات السياسية مع هذه البلاد .... .
ويضيف "كل ذلك ارتبط بالوضع السائد للمسلمين والذى كانوا فيه دائما أصحاب البلاد فلم يعيشوا كأقلية دائمة تحت حكم اسلامى حتى 1085 م التى تعد نقطة تحول هامة حيث سقطت (صقلية) ثم طليطلة وانتهى الحكم الإسلامى فيهما دون أن يخرج المسلمون من هذه البلاد لتصبح المرة الأولى التى يتسمر فيها المسلمون تحت حكم (الكفار) كأقليه ، ويمكن القول بانها أول صورة للأقليات المسلمة (كانت فى القرن الحادى عشر) ثم شاعت تدريجيا مع الحروب الصليبية وتزايدت مع سقوط الحكم الإسلامى بكامله فى الأندلس 1492 م (القرن الخامس عشر) إلى أن تأكدت فى القرن العشرين الذى شهد وجود أقليات مسلمة فى كل دول القرن العشرين الذى شهد أقليات مسلمة فى كل دول العالم تقريبا فغالبيتها حصل على حقوق المواطنة كاملة وصار المسلم ابنا لهذه البلاد تماما كأهلها الأصليين" .
ويشرح (ظفر الإسلام) موقف الفقه الإسلامى من فكرة وجود أقلية مسلمة فى بلد غير مسلم يحكمه الكفار فيقول : "انقسم الفقه فى هذه القضية إلى مدرستين الأولى يمثلها المالكية والثانية يمثلها الحنفية وهما على طرفى النقيض . "
المالكية الذين تركز وجودهم فى بلاد الغرب الإسلامى وتحديدا المغرب والأندلس رفضوا تماما فكرة الأقلية المسلمة فى بلاد الكفار وشنعوا على من يقبل بالعيش فيها وأمتعى فقاؤهم بحرمة ذلك بل وكفر بعضهم من يعيش من المسلمين برضاه فى بلاد الكفر وأهم الآثار التى تنقل هذا الراى كتاب (أسنى المتاجر فى بيان من غلب على وطنه النصارى فلم يهاجر) للفقيه المالكى الونسييشي المتوفى فى أوائل القرن السادس عشر . وقد أدى هذا الفقة الذى انتشر وساد فى غرب أفريقيا وغرب أوربا إلى انقراض الوجود الإسلامى فى كل البلاد غير الواقعة تحت الحكم الإسلامى خاصة فى أوربا بعد جلاء المسلمين منها مثلما حدث فى الأندلس وجنوب ايطاليا وصقلية وكل جزر البحر المتوسط بما فيها جزر الكنارى .
ويضيف :واستمر تأثير هذه الفقه إلى العصر الحديث أيضا وظهرت أثاره حتى احتلت فرنسا الجزائر فكتب التاريخ تتحدث عن هجرة العديد من القبائل المسلمة من المناطق الخاضعة للحكم الفرنسى إلى الجنوب وهى الهجرات التى استمرت فترات طويلة من الاحتلال وكان اشهرها هجرة أهالى تلمان فى أوائل القرن العشرين ... وكثيرا ما كان يوظف هذا الفقه سياسيا كما فعل الأمير عبد القادر الجزائرى حين نجح فى بسط سيطرته على المناطق التى استعادها من الاحتلال الفرنسى حيث كتب رسالته (الأعيان) دعا فيها الشعب الجزائرى للالتحاق به والعيش فى المناطق الخاضعة له بل وكفر فيها من يرفض ذلك وأباح دمه ........
ويضرب (ظفر الإسلام) مثالا على شيوع هذا الفقه برسالة عثمان بن فوديو (أو بن فوريو بعامية الهوسا) أشهر علماء مالكية غرب أفريقيا المعروفة باسم (بيان وجوب الهجرة) أما المدرسة الأخرى (الحنفية) فيقول عنها : (إن فقهاء الأحناف أجازوا بقاء المسلم فى بلاد غير المسلمين وتحت حكم الكفار طالما أمنوه على عقيدته واسمحوا له بأداء الشعائر والعبادات . )
وقد انتشرت فى الشرق الإسلامى وامتد تأثيرها إلى بلاد وسط وشرق آسيا وانحاء من شرق أوربا ايضا مما يمح بوجود اسلامى فى هذه البلاد طيلة أكثر من ألف سنة حتى فى ظل عدم وجود كل من أشكال الحكم الإسلامى منها ويضرب مثالا بدول مثل بولندا ولتيواتنا ورمانيا التى يعيش فيها المسلمون منذ ما يقرب من الف سنة وكذا روسيا التى استقرت فيها عرقيات مسلمة كثيرة أهمها التتار الذى يتمتعون الآن بحكم ذاتى (جمهورية تتاريسان) ويمثلون أقوى الجمهوريات التى تتكون فيها الفيدرالية الروسية .
ثم يحمل (ظفر الإسلام) طرحه قائلا : "ما سبق يكشف كيف أدى الفقة فى صورته المالكية إلى تفريغ دول ومناطق بأكملها من الوجود الإسلامى كما حدث فى غرب أوربا بزعم عدم جواز عيش المسلمين كأقلية تحت حكم غير اسلامى ، فى حين حافظ الفقه نفسه فى صورته الحنفية على الوجود الإسلامى فى شرق أوربا وشرق ووسط أسيا وهى بلاد لم تخضع غالبا للحكم الإسلامى بعد أن افتى الحنفاء بجواز عيش المسلم فى بلاد الكفر طالما كان آمنا على دينه ، وهو ما أريد تطويره وتطبيقه على وضع الأقليات المسلمة فى العصر الحديث 0
أنا أدعو إلى فقه جديد يتفاعل مع مفهوم (المواطنة) الذى أفرزه واقع الدولة الوطنية والذى أصبح يوجد معه مسلمون فى كل بلاد العالم (مواطنون) ضمن مواطنى هذه البلاد يتمتعون بكل حقوق (المواطنة) وعليهم أن يؤدوا كل واجباتها والتزموا بها كاملا ولا يخرجوا عليها بدعوى أنها تصطدم مع مفهوم الامة الإسلامية الواحدة لان الإصرار على هذا المفهوم يشكك فى ولائهم للاوطان التى منحتهم حقوق المواطنة ويجعلهم غير جديرين بها أو على الأقل محل اتهام أو شك دائم .
سالته : على أى منطق تستند فيما تقوله ؟
فأجاب : على منطق الواقع الذى يقول أنه لم تعد هناك دولة إسلامية تضم المسلمين ويتجسد فيها مفهوم (الأمة الواحدة) بينما هناك أوطان ينتمى إليها المسلمون فعلا وليس خيالا والواقع مقدم على الخيال .
لكن ما تقوله يصطدم مع المبدأ الذى يقره الحديث النبوى الصحيح (المسلمون أمه واحدة ، تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، وهو المستقر والمتعارف عليه بين المسلمين على مر تاريخهم ؟
مهمة مخالفة قوانين الأمبراطورية فعلل فتواه بخضوعه لأحكام الشريعة السماوية وهو ما أخذته المحكمة بعين الأعتبار وبراته بسببه !
لم أسمع بذلك .. ما سمعته أن هناك من أفتى بان الهند دار حرب لا يجوز القتال قى جيوشها بل يجوز البقاء فيها وذلك بسبب حروبها مع باكستان المسلمة ! والغريب أن من أفتوا بذلك ما زالوا يعيشون فيها ولم يرحلوا عنها بعد .
هذه كل فتاوى لا علاقة لها بالواقع ومن ثم يستحيل تنفيذها والشرع لا يكلفنا بم لا نطيق وانا أسال أصحابها مثلا أين سيذهب أكثر من 130 مليون هندى مسلم (وفق الاحصاءات الرسمية) لو تركوا الهند التى صارت دار حرب وكفر فى اعتبارهم ؟
وأين هى دار الإسلام التى يمكن أن تستقبلهم إذا رضيت باستقبالهم من الأصل ؟ ! ...
هذا كلام غير منطقى لذلك فليس له أى استجابة على الواقع الذى يقول أن المسلمين الهنود يشاركون طوال تاريخهم – فى معارك وطنهم – الهند – وينخرطون فى جيشه والاحصاءات تقول أنهم يمثلون أكثر من 3 % من تعداد الجيش الهندى .
هل من المقبول عندك أن يشارك مسلمو الهند فى القتال ضد مسلمى كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان ؟
ما استطيع قوله أن هناك مسلمين فى الجيش الهندى الوطنى ينبغى عليهم الالتزام بقوانينه ومنها طاعة قادتهم .
ولكن وبشكل عام – هل يؤيد مسلموا الهند استقلال لكشمير المسلمة عن الهند ؟
لا .. ومن غير المقبول منطقيا أن نضحى بمصالح 131 مليون مسلم عندى حتى ولو كانوا أقلية من أجل رغبة 4 مليون مسلمكشميرى يريدون الانفصال حتى ولو كانوا أغلبيه الأقليم ولم يحدث أن شارك مسلم هندى فى المعارك الدائرة فى كشمير فى صفوف الثوار .
وما رأيك فى النزعات الاستقلالية التى غلبت على الأقليم المسلمة الخاضعة لحكم بلاد غير مسلمة مثل جنوب الفلبين ، وكشمير ، والشيشان ... إلخ ؟
برأيى أن ضررها محقق وأثمها أكبر من نفعها لو كان يرجى منها نفع والواقع يقول ذلك ... كل الأقليات المسلمة التى طالبت بالاستقلال وحاولت الانفصال عن الوطن الأم باءت محاولاتها بالفشل بل وأعطت لهذه البلداية التى تحكمها فى الغالب حكومات ديكتاريوية وقمعية ومتعصبة دينيا وعرفيا الفرصة والمبرر والغطاء اللازم للقمع والقتل وتصفية الوجود الإسلامى فى هذه الأقاليم مما جر المصائب على مسلميها .. ويكفى أن تعلم أن عدد القتلى فى اقليم كشمير فى أكثر من 80 الف مسلم من أصل 4 مليون فقط ! ولو طالب مسلموا الهند بالانفصال لأعطوا الفرصة للأحزاب الدينية المتطرفة لبدء حرب طائفية ضدهم سيقتل فيها الملايين .
اذن كيف تتصرف هذه الأقليات خاصة إذا كان مطالبها بالاستقلال مشروعة أو كانت تعانى من الاضطهاد والتمييز الدينى ؟
بمزيد من الاندماج فى الوطن الأم والتحول إلى النضال السياسي وحشد الضغوط الداخلية والخارجية من أجل الحصول على حقوقهم .
يجب أن نعرف أن العالم يتجه الآن للاندماج لا التفتت والانفصال .... وحتى فى حالة الانفصال هناك شروط وقواعد يجب أن تتم وفقها مثلا نمور التأصيل فى سرى لانكا هم أقوى قوة انفصالية فى العالم ويحكمون مناطق بأكملها لا توجد بها أدنى سيطرة للحكومة المركزية ورغم ذلك لم تعترف بها دولة واحدة فى العالم
... كذلك قبرص التركية التى أقامتها تركيا بقوتها العسكرية ولم تعترف بها دولة واحدة فرغم انها دولة إلا أنه لا يوجد خط طيران واحد أو اتصال تليفونى أو مراسلات بريدية من أى دولة فى العالم معها ... لا يكفى أن تكون لديك قوة للانفصال بل لابد من مراعاة موزاين وقواعد السياسة العالمية . وهذا ما لا يهتم به المسلمون .
أعود لحديثنا الأول لأسالك :
أعجبتك فتوى الشيخ القرضاوى التى تجيز لمسلمى الجيش الأمريكى الحرب ضد أفغانستان ؟ !
بالتأكيد
لكن لماذا قوبلت برفض معظم الفقهاء ؟
لانهم لا يفهمون هذه القضايا جيدا ولا يحاولون ... هم ما زالوا عيال على كتب الفقة القديمة التى انفصل معظمها على الواقع .
لابد من إعادة النظر فى الفقه المتعلق بالسياسة الشرعية التى مازالت أضعف حلقات الفقه الاسلامى وتأسيس فقه جديد فى هذا المجال يكون أساسه الواقع وليس الكتب القديمة .
وإذا سألتك عن أول ما يحتاج لتجديد فى هذا الموضوع ؟
أجيب بأنه مفهوم الدولة الإسلامية والمعايير التى تتحدد وفقها إسلامية الدولة هل هى الأغلبية مثلا ؟ وستفاجأ بان لبنان ذات الأغلبية المسيحية منظموا المؤتمر الإسلامى وأن جيبوتى التى لا يزيد عدد مسلميها عن نصف المليون تعد دولة إسلامية والهند التى يصل مسلموها إلى 140 مليون يمثلون ثانى تجمع للمسلمين بعد اندونيسا لا تعد مسلمة ، فإن دولة مثل تركيا غالبية سكانها مسلمون لن تصبح دولة إسلامية أما إذا كان المعيار هو شعور المسلم بالأمن على نفسه ودينه وحرية ممارسته لعباداته فالمفارقة أن كثيرا من الدول المسلمة لا ينطبق عليها هذا المعيار الذى قد يتحقق فى دول أخرى غير مسلمه بالمرة مثلما هو الحال فى أوربا !
انتهى الحوار (الصدمة) الذى قد تختلف مع كثير من أفكاره (كما هو الحال بالنسبة لى مثلا) لكنها تبقى أفكارا مهمة وتحتاج لنقاش أكثر عمقا وصراحة لأنها تمس قضايا حقيقة وواقعية .