الإعلام العربي و"هولوكست العداء للسامية".. رؤية مغايرة
باحث مصري في الحركات الاسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كان من حظي أن أشارك في مؤتمر عن "الإعلام العربي وتغطية النزاعات" نظمه منتدى الحوار والثقافة والتنمية اللبناني، وضم عددا من الإعلاميين العرب من أكثر من بلد ومؤسسة إعلامية.. تناقشنا طوال يومي عمل مغلقين في قضايا كثيرة: التحيز في الإعلام، ومشكلة المصطلحات، وحرية التغطية الإعلامية، وجاهزية المراسل العربي.. وكان مفيدا أن يطالع المرء طوال يومين كاملين كم المفارقات والعجائب والأخطاء والانتهاكات التي نرتكبها نحن الإعلاميين العرب، ومعظمها لا يجد طريقه للنشر؛ لأنها تخصنا نحن "حراس البوابات" الذين تواصينا على شعار واحد: ألا ننشر غسيلنا القذر.. وهو شعار أراه جزءا من حالة عامة نعيشها تجعلنا نرى القذى في أعين غيرنا ولا نرى الخشبة في عيوننا.
مناقشات المؤتمر تستحق جميعها أن أعرضها بالتفصيل، غير أن أكثر ما استلفت نظري من بينها جميعا ما تعلق بقناة المنار اللبنانية.. فحين عرضت الزميلة اللبنانية ضحى شمس الصحفية بجريدة السفير في ورقتها لموقف المنظمات الصحفية الدولية ومنظمات الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين هالني الموقف الغريب الذي تقفه هذه المنظمات تجاه القناة والذي يصل إلى رفض إدانة ما يتعرض له مراسلوها الذين قد يصابون أو يقضون في أثناء العمل؛ إذ تصدر بيانات معظم هذه المنظمات خالية من أي إشارة إدانة لما حدث أو تعاطف معهم.
أفزعني الموقف مرة؛ لأنه يتعلق بزملاء مهنة اتفق كل أهلها وكل العالم على الدفاع عن أهلها بصرف النظر عن الموقف الديني والأيدلوجي والسياسي منهم، ومرة ثانية لأن الذين يصدر عنهم ذلك هم المعنيون برصد الانتهاكات التي يتعرض لها الإعلاميون والدفاع عنهم ولهم في ذلك سجل مجيد!.
المنار.. إعلام أم حرب؟
لم تتركني الزميلة كثيرًا أسيرًا لفكرة المؤامرة التي لم أقرر إلى الآن التخلي نهائيا عن فرضية وجودها، وشرحت لي وهي تمثل المسئول الإقليمي لبعض من هذه المنظمات أن الموضوع يرتبط بمشكل مهني صرف لا علاقة له بالموقف السياسي أو الديني؛ فهذه المنظمات ترى أن هناك إشكالا في وضعية العاملين في قناة المنار؛ حيث يحول وضعهم المعقد دون النظر لهم والتعامل معهم كإعلاميين أو صحفيين؛ فهم في نظر المنظمات الصحفية الدولية جزء من تنظيم عسكري -حزب الله- وما يقومون به هو أقرب إلى مهام العسكريين الذين يؤدون مهام إعلامية منه إلى الإعلاميين الذي يمارسون مهام عملهم، وهناك فرق.
فالعمل الإعلامي المستقل -أيا كان انتماء أصحابه- شيء مختلف عن وحدات الشئون المعنوية في الميليشيات العسكرية أو القوات النظامية، وإذا كانت الحماية واجبة بحق الإعلاميين الذين يغطون النزاعات -أيا كان موقفهم منها أو طريقة تغطيتهم- فإنهم يفقدونها فورا حين يصبحون طرفا في هذه النزاعات أيا كانت عدالة موقفهم.
أهمية ما سبق في كونه يمكن أن يغير بعضا من رؤيتنا الخاطئة تجاه الآخرين، وفي كون قناة المنار تبدو مدخلا مناسبا لفهم إشكاليات كثيرة تتعلق بالموقف الغربي من وسائل الإعلام العربية، خاصة بعدما منع القضاء الفرنسي بث القناة في فرنسا، وتبعتها الولايات المتحدة التي تمهد لملاحقة القناة قضائيا، وهو ما يرتبط بسياق أوسع يتعلق بالتشديد الغربي على رفض ما اعتبرته عداء للسامية يزرعه ويحرض عليه الإعلام العربي إلى حد صدور قانون أمريكي لتعقب معاداة السامية عالميا، بدا وكأنه موجه بشكل مباشر إلى العالم العربي ووسائل إعلامه.
لماذا لا نفهم العالم؟
ما صدر في العالم العربي من ردود فعل استنكارية على هذا المنع بدا وكأنه يطرح سؤالا بات ملحا ويتردد باستمرار: لماذا يرفضنا العالم الغربي وهو الذي يطلب منا قبوله؟ ولماذا يمنعنا وهو الذي لا يمل من دعوتنا لرفع كل القيود وفتح أبوابنا أمامه على مصاريعها؟.
ومنطق السؤال يفيد بأننا نهتم برأي العالم الغربي ونطلب منه الاهتمام بنا، بل والدفاع عن حقنا في الوصول بصوتنا إليه، وهو ما يعني أننا ندرك أننا ومصالحنا مرتبطون بهذا العالم، وأن من المهم وصولنا له، حتى إننا نحاكمه وفق منطقه هو ووفق ما أعلنه وطالب به: الحرية ورفع القيود.. فلماذا لا نسمح لأنفسنا بالتعرف على هذا العالم ومنطقه؟.
للإجابة نعود ثانية لحزب الله.. ولكن من خلال قواته وليس إعلامه وقناته (المنار)، لنتذكر معا التعاطي الإيجابي من وسائل الإعلام الغربية مع مقاومة الحزب ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وتأكيد الميديا الغربية (باستثناء المنحازة منها صراحة للصهيونية) على الحق المشروع للحزب في المقاومة، وأن ما تقوم به قواته عمل مشروع وليس إرهابا كما حاولت إسرائيل تصويره.
وكانت المفارقة وقتها أن هذه الميديا نفسها التي تنظر لعمليات حزب الله باعتبارها مقاومة مشروعة كانت تصور عمليات حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين باعتبارها إرهابا وليس مقاومة رغم أن الهدف واحد والقضيتين عادلتان: مقاومة الاحتلال.
وأذكر وقتها أن مما ساعدني على فهم موقف وسائل الإعلام الغربية الذي يبدو -ظاهريا- متناقضا تحليلا بالغ الأهمية للمحلل العسكري اللبناني رياض قهوجي نشرته صحيفة الحياة اللندنية عن العقيدة العسكرية للغرب، شرح فيه بجلاء كيف تؤثر الثقافة والعقيدة العسكرية الغربية في اختلاف الموقف الغربي من العمليات العسكرية لحزب الله عن مثيلتها التي تقوم بها حماس والجهاد الإسلامي، رغم عدالة القضية في الحالتين؛ حيث يرى الغربيون عمليات حزب الله أقرب إلى مفهوم الحرب العادلة؛ نظرا لكونه -الحزب- أقرب إلى القوات النظامية في مظهره وزيه العسكري الموحد، والقدر العالي من العلانية التي صبغ بها عملياته، وشرعية وجوده ومنطلقه السياسي (حيث توافق عليه الحكومة الشرعية اللبنانية)؛ وهو ما افتقدته حماس والجهاد الإسلامي اللتان بدت عملياتهما أقرب إلى حروب العصابات التي تحتفظ بدلالات وذكريات بالغة السوء في الثقافة والعقيدة العسكرية للغرب.
فالجهاز العسكري لهاتين الحركتين ليس له نفس الوضع باعتباره سريا وليس علنيا، وعملياته أقرب إلى حرب العصابات التي لا تحدد بدقة من تستهدفه، ويقوم بها أفراد يتسترون في زي مدني (وهو ما يرونه جريمة أخلاقية)، كما أن هذه الميليشيا لا تحظى بموافقة النظام الشرعي الذي تمثله سلطة الحكم الذاتي التي تأسست وفق اتفاقات دولية (أيا كان رأينا بها)، ومن ثم فما تقوم به حماس أو الجهاد الإسلامي ليس -في العقيدة الغربية لا في عقيدتي أنا- إلا إرهابا يجب التنديد به ولا يستحق أي تعاطف معه.
لماذا يمنعنا العالم؟
ما سبق ضروري -أولا- لفهم بعضٍ من منطق الغرب، وللتأكيد -ثانية- على أنه ليس هناك موقف غربي مسبق وموحد من حزب الله كان سببا وحيدا ونهائيا في منع بث قناته. وهو ما يجعلنا نعيد طرح السؤال: لماذا الهجوم الغربي على إعلامنا العربي؟.
وللإجابة نرجع مرة ثالثة لحزب الله وقناته التي أوقفت فرنسا ثم الولايات المتحدة بثها.
وهنا سنتوقف عند القرار الفرنسي فقط؛ إذ لا بد أن نفرق -لأسباب كثيرة- بين الموقف الفرنسي والموقف الأمريكي؛ ففي ظل تحكم اليمين المحافظ المتطرف على الإدارة الأمريكية وما يتبعه من سياسات ومواقف تتعلق بخدمة المشروع الإمبراطوري الذي يستهدف المنطقة.. يبدو القرار الأمريكي متوقعا ومنتظرا ومنسجما مع جملة سياسات ومواقف أخرى مشابهة.
أما الموقف الفرنسي فهو الذي يستحق نقاشا حوله؛ إذ طالما اتبعت فرنسا سياسة أكثر توازنا لحد التعاطف أحيانا فيما يتعلق بالقضايا العربية بدءا من قضيتنا المركزية فلسطين، مرورا بالاحتلال الإسرائيلي للبنان، وليس انتهاء بالغزو الأمريكي للعراق، وهي السياسة التي وصلت بها إلى الصدام مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية في بعض الأحيان، وتزداد أهمية الموقف الفرنسي من قناة المنار إذا ما عرفنا أن المنع لم يكن بقرار سياسي وإنما بحكم القضاء في بلد عرف بقضائه المستقل، كما أن القرار الفرنسي مرشح لأن يعمم على بقية دول الاتحاد الأوربي الخمس والعشرين.
لم أستبعد أن ارتباط القناة بحزب الله المسلح في هذه المرحلة كان له تأثيره في القرار لكنني أن ارتباط ارتناقشت مع إعلامي فرنسي في قضية العداء للسامية، وما إذا كانت سببا حقيقيا للموقف الفرنسي خاصة أن سياسة القناة كانت واعية دائما وحريصة على التفريق بين اليهودية والصهيونية، ففاجأني بأن معظم المراقبين الفرنسيين يرون أن "المنار" من أقل وسائل الإعلام العربية التي يمكن أن تؤاخذ فيما يخص العداء لليهود، باستثناء بث مسلسل الشتات؛ وهو ما جعل المجلس الفرنسي الأعلى للسمعيات والمرئيات يصمد أمام ضغوط اللوبي الصهيوني، ويبرم اتفاقا مع إدارة القناة لوضع ضوابط تمنع بث المواد التي تتضمن عداء للسامية، وذلك لقطع الطريق على الضغوط الصهيونية لمنع بث القناة.
كان من الممكن أن تنتهي مشكلة القناة غير أن إدارة القناة -بحسب زميلنا الفرنسي- لم تلتزم بالضوابط التي اتفقت عليها، وبثت بعض المقابلات لأشخاص هاجموا جنس اليهود (أحدهم قال إن اليهود ينشرون الإيدز والمخدرات في لبنان)؛ وهو ما دفع بالطرف الفرنسي لإحالة الموضوع برمته إلى القضاء الذي أصدر حكمه، وكانت ثلاث إلى خمس دقائق (هي إجمالي ما أخذه الفرنسيون على المنار) سببا في وقف بث القناة بسبب العداء للسامية!.
إعلامنا والعداء للسامية
ينقلنا ذلك إلى قصة اليهود وجريمة العداء للسامية؛ إذ إن معظم وسائل إعلامنا والخطاب العربي في مجمله ما زال يصر على الوقوع في الخطأ التاريخي بل والديني الذي لا يغتفر والذي ينظر إلى اليهود باعتبارهم جنسا وملة شيطانية هي المسئولة عن كل الشرور التي تحيط بنا وبالعالم، ولا يستطيع التمييز بين اليهودية كديانة سماوية واليهود كبشر فيهم الخير والشرير، وبين الصهاينة ومشروعهم الصهيوني الاستعماري اللاإنساني في فلسطين.
كما أن وسائل إعلامنا تصر دائما على أن تقطع كل وسائل التواصل والتفاهم مع العالم حتى وكأنها تبحث عن نقاط الخلاف المشتعلة لتصب عليها الزيت ثم تشتكي من انفجار العالم في وجوهنا.
ما يتجاهله الإعلام العربي أن قضية العداء للسامية صارت مركزية في الثقافة الأوربية والغربية بعد الحرب العالمية الثانية والمحارق التي طالت اليهود فيها على يد النازي بصرف النظر عن حقيقتها وحجمها، وأن ثبوت هذه المحارق -الهولوكست- صار محميا بجملة من الدفاعات الثقافية والقانونية يبدو -ولو بالمنطق السياسي- من العبث وتضييع الوقت والجهد والأنصار أن يقتصر جهد خطابنا العربي ورسالتنا الإعلامية على تحديها ومحاولة خرقها أو البرهنة على عدم صحتها.
يصر كثير من العرب والمسلمين حتى في أوربا نفسها على العبث بالأعصاب العارية عند الغربيين، ومنها معاداة السامية التي تذكرهم بإحدى خطاياهم التي يودون نسيانها. تماما مثلما فعل المتظاهرون المسلمون قبل سنوات ضد رواية سلمان رشدي القبيحة "آيات شيطانية"، فقد فقدوا أي تعاطف من الشارع الأوربي الذي كان يمكن لبعض قطاعاته -وبخاصة المتدينة- أن تساند موقف الرفض الإسلامي لولا وقائع حرق نسخ من الرواية في المظاهرات التي قام بها المسلمون، وهو ما استدعى ذكريات الرقابة والمصادرة ومحاكم التفتيش وحرق الكتب وكل الذكريات السيئة التي يجاهد الغرب نفسه على نسيانها.
في قضية العداء للسامية ليست المشكلة في نقد اليهودية؛ إذ إن هذا متاح بشأن أي دين أو فكرة مجردة، بقدر ما هو متعلق بالحط من شأن جنس بعينه أو أهل ملة بما قد يؤدي إلى موقف منهم، وتزداد فداحة الجرم حين يتعلق الأمر بالأقلية اليهودية التي منحتها أوربا وضعا تفضيليا استثنائيا تكفيرا عما ارتكبته في حقها، واستجابة لحركة نشطة ومنظمة من منظمات وجماعات ضغط يهودية وصهيونية نجحت في تشكيل تحالف وجبهة رأي عام غربي واسعة ساعدتها على انتزاع هذا الوضع الخاص.
والمنطق كان يفرض على أصحاب الحالة المشابهة ألا يضيعوا جهدهم عبثا في الصراخ والشكوى، وأن يؤسسوا على قانون معاداة السامية فيطالبوا بهذا التفضيل الاستثنائي بدلا من مقاومته، خاصة إذا تبين استحالة إلغائه، وفي هذه الحالة كان الفلسطينيون ضحايا التمييز العنصري الصهيوني وأبناء الجاليات المسلمة في أوربا الذين تطاردهم حمى الإسلاموفوبيا أول المستفيدين ولصدر قانون مشابه يجرم الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام! وهو ما سعى إليه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) الذي لم يدخل في أتون حروب الهواء، وبدأ في تبني حملة للضغط على الكونجرس من أجل سن قانون مشابه يجرم ويلاحق العداء للإسلام.
صدور قانون لتعقب العداء للسامية لم يكن يستلزم -في رأيي- أن نشن حربا كلامية، بقدر ما كان يقتضي مراجعة شاملة لموقف الإعلام والخطاب العربي من نقاط التماس المشتعلة مع الغرب وفي مقدمتها العداء للسامية. وإعادة النظر في كم الانتهاكات التي نرتكبها بإصرار ومن دون أي مصلحة أو هدف إلا إشعال حرب بطول العالم وغربه من أجل لا شيء.
فما زالت الميديا العربية تردد الكلام السخيف والعاري عن الحقيقة - في بعض الأحيان - عن اليهود أشرار العالم، والجنس اليهودي الملعون في كل زمان ومكان، والمؤامرة الكبرى التي ينسجها ويشارك فيها كل اليهود ضد المسلمين وضد العالم كله، وتحتفي بالبرتوكولات المزعومة لحكماء صهيون وشروحاتها التي تخالف العلم والعقل والدين الإسلامي الذي لم يعرف فكرة اللعنة الدائمة والأبدية بحق جنس من البشر. في حين تضرب بعرض الحائط أعمالا مهمة مثل موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمفكر الكبير عبد الوهاب المسيري، لا تبالي حتى بما قاله العلامة الشيخ يوسف القرضاوي مؤخرا عن ضرورة ألا نعمم ما جاء من صفات ذميمة في حق يهود العهد النبوي على جنس اليهود في كل زمان ومكان وأن نفرق بين الصراع السياسي والصراع الوجودي.
شجاعة النقد الذاتي
الإعلام العربي بحاجة إلى رصد أخطائه ومراجعاتها مرتين، الأولى من منطلق أخلاقي: إذ لا يجوز السكوت على ما يحدث من انتهاكات وأخطاء لا لشيء إلا لتفريغ شحنة الغضب والشعور بالفشل والهزيمة أمام المشروع الصهيوني. والمرة الثانية من منطلق سياسي، يفرضه علينا ضرورة الوعي بأن العالم يعيش اللحظة الغربية وأن الكلام لم يعد من دون جمرك كما كان فقد انفتحت علينا الدنيا وانفتحنا عليها، وصار هناك من يعد علينا سكناتنا وحركاتنا، ويفرض على الكلام جمارك وضرائب تصاعدية وعقوبات.
وبدلا من أن يورطنا في خصومات مع أهل ملة أو ديانة يحتاج الإعلام العربي أن يدعم دخولنا في جبهة أو تحالف إنساني بعرض العالم، تحالف يقاوم نزعات وتيارات العداء ضد كل دين أو عرق أو لون من دون تمييز، ويتوجه إلى الإنسانية كلها ليؤكد أنه ليس للمسلمين عداوات إلا مع المستعمرين والمستغلين وأعداء الإنسانية أيا كانت ملتهم أو دينهم. إذ ليس من المعقول أن نطلب من العالم أن يتعاطف مع قضايانا ويتحرك من أجلها (وقد فعل في غزو العراق)، ونحن لا نرى من الدنيا إلا أنفسنا، ولا تمتد أعيننا أبعد عن فلسطين والعراق والبوسنة... إلى رواندا وبورندي وضحايا تسونامي من فقراء شرق آسيا!.
في ظل السياسات الحالية للإعلام العربي وفي ظل انفتاح العالم أتوقع تنامي نشاط المنظمات التي ترصد وتلاحق المعادين للسامية، بل وستنتقل معاركها إلى قلب العالم العربي نفسه وسيتكرر كثيرا نجاح هذه المنظمات في غلق مركز زايد للدراسات بالإمارات بجريمة العداء للسامية؛ إذ يكفي أن تتفرغ واحدة من هذه المنظمات لما تنشره الصحف وتبثه القنوات المختلفة لتأكل عليه وتشرب مدة لا بأس بها قبل أن نفيق.
ومن دون قناعة حقيقية برفض التمييز والعداء ضد أبناء دين أو ملة أو لون أو عرق فلن يكون هناك أمل في مستقبل مؤسسات مناهضة التمييز العربية التي أتوقع أن تكون موضة الأيام القادمة في ظل الرغبة العشوائية في مقارعة مثيلتها الصهيونية وإثبات القدرة على الإفادة من السلاح نفسه؛ فمؤسساتنا العربية لم تظهر إلا تنفيذا لرغبة حكومية سامية بما يجعلها فاقدة للاستقلالية ومن ثم المصداقية داخليا وخارجيا (لم نسمع عنها شيئا في واقعة إسلام وفاء قسطنطنين أو غيرها من الوقائع!)، وهي نشأت غالبا كردة فعل وقتية ومن دون إطار نظري أو تأصيل فكري يخدم عليها.
وإذا كانت هناك تجربة تستحق الدراسة والنسج على منوالها فهي تجربة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) الذي أجاد فنون اللعبة واستوعب خبرات اللوبي اليهودي ووظف ذلك كله في نضاله ضد معادة الإسلام والمسلمين والعرب في الولايات المتحدة.
ورقة نوقشت في ندوة "القانون الأمريكي لتعقب معاداة السامية عالميا وآثاره على السيادة وحرية التعبير والقانون الدولي" التي نظمها اتحاد الأطباء العرب يوم 29 ديسمبر 2004 بالقاهرة.