مصر و"حزب الله".. قضايا مـُتشابـكة وقراءات مُـتـباينة( سويس آنفو)
اتـَّفق خُبـراء ومحلّلون سياسيون مصريون على ارتكاب حزب الله اللبناني خطأ بالتخطيط لنشاطات وعمليات على الأراضي المصرية دون استئذان نظام القاهرة أو التنسيق معه. لكنهم اختلفوا في تحديد الأهداف الحقيقية للكشف عن هذه القضية في هذا التوقيت بالذات.
وفيما يرى البعض أن مصر استهدَفت إضعاف حزب الله لصالح جماعة السنيورة والحريري في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في شهر يونيو القادم، يعتبرها آخرون فرصة للضّغط على حماس لتبدو أكثر لُـيونة في الجولة القادمة من مفاوضات القاهرة، حتى لا تبدو القاهرة وكأنها قد فشِـلت في القيام بدورها كوسيط أساسي في النزاع الفلسطيني/الفلسطيني، بينما لم يستبعد محلِّـلون أن يستثمرها النظام في توجيه ضربة لجماعة الإخوان ردّاً على دَعوتها الشعب المصري للتّـظاهر ضد النظام وتحريضها شباب الإخوان بالجامعات على المشاركة بقوّة في إضراب 6 أبريل الجاري.
وكان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله قد أقر مساء الجمعة 10 أبريل الجاري في خطاب تلفزيوني، بأن اللبناني سامي شِـهاب، العضو بالحزب، قد اعتقل من قبل السلطات المصرية على أراضيها، لكنه نفى أن يكون شهاب ضِـمن أفراد التنظيم الذي أعلنت القاهرة أنه كان يخطِّـط لتفجيرات بمصر، مشدّدًا في الوقت ذاته على أنه كان يقوم بمهمّـة نقل أسلحة للمقاومة الفلسطينية في غزّة قُـبيل اعتقاله.
ووجّـه النائب العام المصري رسميا، يوم 7 أبريل الجاري، إلى تنظيم "الـ 49" تُـهمة التخطيط للقِـيام بعمليات عدائية داخل الأراضي المصرية، وتحريض الشعب والقوات المسلحة المصريين على الخروج على النِّـظام العام، إضافة إلى نشر الفِـكر الشيعي.
وفي أول ردّ فِـعل لها، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في بيان صادِر عن مكتبِـها الإعلامي بدمشق، تضامُـنها مع حزب الله اللبناني في مواجهة الحملة "القاسية"، التي تقودها السلطات المصرية ضدّه، مُـستنكرة إقحام إسمها في الموضوع، معتبرة أنها تستهدِف تشويه صورة المقاومة والإساءة إليها، ومن ثَـمَّ الضّـغط على الحركة من أجل تغيير مواقِـفها السياسية المُـلتزمة بالمصالح العُـليا للشعب الفلسطيني، وأن إدخال السِّـلاح إلى قطاع غزّة، ليس تُـهمة، وإنما شرف وطني.
فيما نفت جماعة الإخوان أيّ صلة لها بتنظيم حزب الله المضبوط في مصر، والتي تُـجرى التحقيقات مع أعضائه حالياً من قِـبل نيابة أمن الدولة العليا. ووصف لاشين أبو شنب، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، الاتهامات التي وجّـهتها النيابة إلى الشيخ حسن نصر الله، بأنها "نوع من الإفك والكذب والاختلاق، وأنها ادّعاء مجاف للحقيقة".
وكانت إسرائيل قد حذّرت مواطنيها الأسبوع الماضي من قضاء عطلة "عيد الفصح" اليهودي، التي بدأت يوم الأربعاء 15 وتنتهي يوم السبت 18 أبريل 2009، في منتجعات سيناء، وذلك بعد توارد تقارير استخباراتية حول خطط لمهاجمة أو اختِـطاف إسرائيليين في سيناء، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكنهم لم يتجاوبوا مع التّـحذير، ممّـا أسفر عن طعن سائح إسرائيلي على يَـد مواطن ليبي بجزيرة سيناء.
"توقيت" لافِـت للنظر!
في البداية، يوضح المحلِّـل السياسي المصري محمد جمال عَـرفة، أن توقيت الإعلان عن القضية ملفت للنظر، لأن الأحداث بدأت منذ شهر نوفمبر 2008، أي قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزّة، مُـشيرا إلى أنه ربّـما يكون تأجيل الإعلان عنها إلى اليوم له علاقة برغبة القاهرة في توجيه صفعة لحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" معًا، وذلك بالضغط على حزب الله وفضحه لصالح حزب الحريري قُـبيل الانتخابات البرلمانية المقرّرة في لبنان خلال شهر يونيو المقبل".
وقال المحلل السياسي جمال عرفة في تصريح خاص لسويس انفو: "هناك احتمال آخر، وهو أن الكشف عن الخلية اليوم، هو بهدف الضّـغط على حماس كي تُـليِّـن موقِـفها في مفاوضات القاهرة التي تعدّدت جلساتها دون الوصول إلى نتيجة، وهو ما يؤثِّـر بالسَّـلب على الدور المصري ويعكس فشل القاهرة في لمِّ الشّـمل الفلسطيني ويفتح الباب لوسيط آخر"، غير أنه لم يستبعِـد في الوقت ذاته، أن يكون "التوقيت له علاقة باستكمال الأدلّـة الجنائية والحصول على أكبر قدْر من الوثائق".
وردّا على سؤال حول ما إذا كانت هذه القضية ستؤثِّـر على صورة حزب الله في الشارع المصري، بعد صورة البطل التي رسمها المصريون لنصر الله عقِـب كسره الغطرسة الإسرائيلية في حرب يوليو 2006، قال عرفة: "الشارع المصري منقسِـم تُـجاه حزب الله بالفعل، لفريقين: فريق يقف ضدّه أصلا وضدّ الشيعة ككُـل، وفريق يقِـف معه ومع المقاومة عمومًا. ولا أظُـن أن القضية ستؤثِّـر كثيرا على قناعة أيٍّ من الفريقين، ولكنها بلا شك قد تدفع مؤيِّـدين للحزب إلى نقدِه، خصوصًا وأن الأمر يتعلّـق بالسيادة المصرية، وهناك حساسية مصرية تُـجاه أي عمل من الخارج يتِـم على أرض مصر قد يؤدّي إلى توتّـر ومشكلات وتكون له أثار اقتصادية سلبية على السياحة".
توظيف القضية لضرب الإخوان؟
ولم يستبعِـد عرفة احتمال توظيف الحكومة للحادِثة في توجيه ضربة لجماعة الإخوان من خلال الزجّ بهم في القضية، ردّا على ما حقّـقته الجماعة من مكاسِـب إبّـان الحرب على غزّة، وقال "بل أعتقِـد أن هذا هو الهدَف الأساسي من الموضوع، وهو الضغط على الإخوان من خلال هذه الجُـزئية الخاصة بإعلان أنّ مِـن بينهم مشاركون في خلِـية حزب الله"، معتبرا أن "هناك رغبَـة في توجيه صفْـعَـة جديدة للإخوان ردّا على تعمُّـدهم التصعيد ضدّ النظام، بدعوتهم للمصرين للإضراب ضدّ النظام وتحريض طلاب الإخوان بالجامعات للمشاركة في إضراب 6 أبريل، فضلا عن السّـعي للضغط على مصر لفتح معبَـر رفَـح أمام المساعدات المتّـجهة إلى غزّة".
وحول تقيِـيمه لموقف الإخوان في التّـعامل مع القضية، كشف عرفة عن أن "الملاحَـظ أن هناك تخبّـط في موقِـف الإخوان. فبينما ينفي القيادي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (عضو مكتب الإرشاد) علاقة المتّـهمين بالإخوان ويؤكِّـد أنهم ليسوا أعضاء في الجماعة، يُـشير الدكتور محمد حبيب (النائب الأول لمرشد الإخوان)، إلى أنه لا يعرف هل كانوا أعضاء سابقين أم لا؟! موضِّـحا أن "هذا يفتَـح الباب لاتِّـهام الجماعة الأمّ والشكّ في ضُـلوعِـها في الحادث، إذا ما ثبَـت أنهم ينتَـمون إلى الجماعة، وإن كانوا يتصرّفون بشكل فردي بَـحت".
ورغم رفض المحلِّـل السياسي جمال عرفة الرّبط بين الكشف عن القضية وملفّ المصالحة العربية وتخطيط مصر لاستخدامه كورَقةٍ للضّـغط على قطر وسوريا بصِـفتهما نظامين صديقين لإيران وحزب الله، غير أنه لم يستبعِـد أن "تُـستخدَم بالطّـبع لتعزيز الموقِـف المصري والضغط على المِـحور السوري الإيراني"، معتبِـرا أن "المُـشكلة الحقيقية في هذه القضية، هي نظرة ومفهوم الدّولة إلى المقاومة، ومفهوم المقاومة للدّولة، والذي فيه خلْـط بَـيِّـن وخِـلاف كبير".
"السيادة" أمْ "المُـقاومة"؟!
مختلفا مع جمال عرفة في ارتباط توقيت الكشف عن القضية برغبة مصر في إضعاف حزب الله في الانتخابات اللبنانية، بدأ المحلِّـل السياسي حُـسام تمّام، الباحث المتخصِّـص في شؤون الحركات الإسلامية حديثه قائلا: "لا أوافِـق على أن هدف مصر من التوقيت دعم جماعة الحريري في الانتخابات اللبنانية المقرّرة في يونيو القادم ضدّ حزب الله، لأن الحزب موقِـفه قوي"، فيما يـعتبر التوقيت "متّـصلا بالوضع الإقليمي والدّولي. فهناك حالة استقطاب مع الملفّـات الأساسية بالمنطقة، وخاصة ملفّ العلاقات المصرية الإيرانية لتقوية الأوراق التي بين أيديها".
وفيما يتّعلق بتأثير القضية على دعم المقاومة، قال الباحث حسام تمّام في تصريح خاص لسويس إنفو: "أعتقد أن إثارته يُـمكن أن تؤدّي إلى خسارة التيار الدّاعم لفكرة المقاومة، وفي المقدّمة منه، التيار الإسلامي، لأن ما يجري الآن سيُـعيد الجدل حول ما يبدو تعارُضا بين سيادة الدولة الوطنية وفِـكرة المقاومة"، كما أن دخول حزب الله على الخطّ، سيؤثِّـر تأثيرًا سلبِـيا على شعبية حزب الله في الشارع المصري".
ويوضِّـح حُـسام تمام أن "شعبية حزب الله بالشارع المصري ستتأثر لعدّة أسباب، في مقدّمتها: الحساسية التقليدية لدى المصريين تُـجاه أمور السيادة، وهنا أتصوّر حتى أن مُـعارضي النظام لن تكون لديهم الجُـرأة للاصطدام بهذا العصب الحسّاس، ومشكلة حزب الله، أنه بالفِـعل مسّ هذا العصَـب، ولهذا فمِـن المتوقّـع أنه سيخسِـر كثيرا إذا ما استمرّ على هذه الوتيرة، كما أن هذا الموقف سيُـعزّز محاولة البعض وضْـع المقاومة على أنها تجرح السيادة الوطنية، وهو ما يُـسبب حرجا بالغا للتيّـار الإسلامي الدّاعم للمُـقاومة".
وحول تأثير الأزمة على الإسلاميين، بيّـن تمام أنه "على الرّغم من أن الجماعة الإسلامية وتيارات سلفية وقفت في خندق الدولة وانتقدت حزب الله، لكن بدا التيّـار الإسلامي مرتبِـكًا في تعامُـله مع القضية، وهو ما يفتح الباب للطّـعن في مِـصداقية الحركة الإسلامية عمومًا، وجماعة الإخوان على وجه الخصوص، حيث كانت التصريحات الأولية للإخوان ملتبِـسة وأحيانا تفتقِـد للحساسية في التعامل مع قضية السيادة، وهو ما يُـمكن أن يفتح الباب للطّـعن في وطنية الإخوان".
وطنية الإخوان.. عودة للجدل!
وأشار حُـسام تمام إلى أن هناك ثلاثة قضايا ساهمت في بروز هذا الخلط والجدل من جديد وهي: اقتحام حزب الله لبيروت، وحرب غزة الأخيرة، والقبض على خلية حزب الله في مصر، حيث ساهم موقِـف الإخوان في هذه القضايا الثلاث في فتح الباب للحديث من جديد حول مدى وطنية هذا التيار، وِفقًا لتصريحات عددٍ من قياداته مثل: عاكف (محمد مهدي عاكف، المرشد العام)، وحبيب (محمد حبيب النائب الأول للمرشد)، وإبراهيم منير (أحد قيادات الخارج)، وأبو شنب (لاشين أبو شنب عضو مكتب الإرشاد)، والعريان (عصام العريان رئيس القسم السياسي للإخوان)، في حين بقي أبو الفتوح (عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد) استثناءً، لاشتراطه التنسيق مع السلطات الأمنية المصرية، احتراما للخصوصية المصرية ومراعاة لموقف النِّـظام المصري واعتباراته.
وقال تمام: "وموقف الإخوان هذا يُـعيد الجدل من جديد حول فِـكرة وطنية تيار الإخوان، ليس باتِّـهامه بالعمالة، ولكن بأن لديه نُـزوعًا بعيدًا عن أمْـن وسيادة الوطن، وأنه سريع التأثر بالتّـجاذبات الإقليمية، بعدما بذل جُـهدًا كبيرًا على مدى سنوات كان خلالها أقرب إلى كونه تيارًا وطنيًا، مثله مثل أيّ تيار وطني آخر.
وحول ما تردّد عن اعتراف اثنين من المتّـهمين في الخلية بانتمائهما إلى الإخوان، قال تمام :"أنا أمِـيل إلى القول بأن الاثنين المقبوض عليهما ضِـمن الخلية واللذَين تردّد أنهما اعترفا بأنهما ينتميان إلى الإخوان، ليسا من الإخوان، لكنه على أي حال، سيُـعزّز الشكوك حول الإخوان وسيُـعطي الفرصة لخصوم الجماعة لإعادة عزف النّـغمة القديمة"، ولم يستبعد أن يكون "هذا مقدّمة لإطلاق حملة أمنية ضدّ الجماعة".
ويشير تمّام إلى أنه "وإن كان توجيه الضّربات الجزئية للجماعة، هو سياسة ثابتة لدى النظام في مواجهة جماعة الإخوان على مدى 13 عامًا الماضية، إلا أن هذا الموقف الإخواني من قضية خلية حزب الله سيُـعطي مبرِّرا للنِّـظام لتوجيه ضربة قوية للجماعة، دون أن تتمكّـن الجماعة من أن تستدر عطف الشارع المصري، كما كان يحدُث من قبل".
ويختتم تمّام تصريحه بالقول: "في تقديري أن انضمام عبد المنعم عبد المقصود (محامي جماعة الإخوان بمصر) إلى هيئة الدّفاع عن المتهمين، كان خطأً سياسيا، لأنه يقدّم إعلاميًا على أنه محامي جماعة الإخوان، وهو ما قد يعزّز الشكوك أو الاتِّـهامات حول صِـدقية أن يكون الاثنين المتّـهميْـن في القضية، من أعضاء الإخوان"، مُـعتبرا أنه "كان جديرًا به أن لا يُـشارك في القضية ليقطع الطريق على النظام في مسألة اتهام الإخوان بالضّـلوع في القضية".