هل تراجع النفوذ المصري في تنظيم القاعدة ؟
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قبيل أيام من الذكرى العاشرة لتأسيس الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين والتي عرفت بتنظيم القاعدة ( تأسست في 22 فبراير 1998)، تجدد الجدل مجددا حول التغيرات التي طرأت على التنظيم، وتمحور معظمه حول السؤال عما إذا كان المصريون ما زالوا يمثلون القوة الضاربة في التنظيم الذي صار – منذ تأسيسه- أشهر وأقوى تنظيمات العمل الإسلامي المسلح في العالم؟.
أسباب مختلفة دفعت بهذا التساؤل إلى الواجهة منها ما سبق أن ردده البعض بشأن ما اعتبروه تنافسا متصاعدا على الحضور الإعلامي بين زعيم التنظيم "السعودي" أسامة بن لادن ونائبه "المصري" أيمن الظواهري عبر الرسائل الصوتية والمصورة التي تبثها مواقع الإنترنت وبعض الفضائيات. وهو ما ظهر جليا قبل أيام حين ظهرت ثلاث تسجيلات متزامنة للزعيمين تحمل الرسائل نفسها وتقول الكلام نفسه وكأن تنسيقا مفترضا غاب بينهما على أهميته، وكذلك ما أشارت إليه بعض الأقلام المختصة في شئون القاعدة عن تحفظات بعض القيادات السعودية في التنظيم على الظهور المتواصل للظواهري وقلقلها من احتمال أن يكون ذلك تمهيدا لصعوده إلى قيادة التنظيم، ثم جاء الكتاب الذي أصدرته القاعدة نفسها قبيل أيام قليلة من الذكرى العاشرة لنشأتها ليؤكد هذا الأمر؛ أن هناك نقاشا أو ربما خلافا حول تمثيل المصريين ودورهم في تنظيم القاعدة وما يتصل به من تغيرات في خريطة القوي المسيطرة على التنظيم.
فقد بثت بعض مواقع الإنترنت كتابا صدر عن مركز إعلامي مقرب من تنظيم القاعدة يتناول السيرة الذاتية لأبرز من قضوا من قيادات تنظيم القاعدة في المواجهات التي وقعت مع القوات الأمريكية في أفغانستان، ويخصص الكتاب الذي يحمل عنوان "شهداء في زمن الغربة" مساحة كبيرة لأحد عشر قياديا مصريا في التنظيم لقوا مصرعهم وكانوا يحتلون مناصب قيادية حتى كان أحدهم المرافق الشخصي لأيمن الظواهري سنوات طويلة.
واللافت أن الكتاب صادر عن مركز الفجر الإعلامي والذي ينظر إليه كأحد الأذرع الإعلامية لتنظيم القاعدة، خصص للقيادات المصرية في التنظيم المساحة الكبرى بين السير الذاتية مقارنة بالبلاد الأخرى حيث خصص المؤلف المجهول (أبو عبيدة المقدسي) نحو 50 صفحة من إجمالي صفحات الكتاب التي لا تزيد على 312 صفحة للحديث عن القيادات المصرية وحدها، وهو الأمر الذي يبدو مقصودا منه بيان فضل المصريين وحضورهم خاصة إذا علمنا أن إهداء الكتاب توجه للمفكر المصري سيد قطب صاحب كتاب "معالم على الطريق" تأكيدا على فضله وتأثيره في كل الجهاديين في العالم وإليه وجه المؤلف الذي لم يكشف عن اسمه واكتفي بذكر كنيته قائلا:"إلي الأستاذ المعلم سيد قطب الذي أنار طريق الموحدين وبصرهم درب الحق المبين وكشف زيف الطواغيت المتألهين" قبل أن يذكر بعد قطب عبد الله عزّام وأبا مصعب الزرقاوي.
ومنذ تأسيس التنظيم ظل التساؤل مطروحا حول أي الدول الأكثر إمدادا بالعتاد البشري، ودائما ما كان التنافس مصري سعودي على المرتبة الأولى سواء في قيادة التنظيم أو في كوادره.
في البداية كانت الكفة ترجح لمصلحة العناصر المصرية، فالجهاديون المصريون كانوا أصحاب الخبرة والسبق في العمل المسلح والخروج على النظام السياسي فاستطاعوا اغتيال رئيس البلاد (أنور السادات)، وقضوا عقد الثمانينيات وغالبية سنوات التسعينيات في المواجهات المسلحة، كما تعددت مشاربهم الفكرية وأطرهم التنظيمية فرغم أن الجزء الأكبر من المصريين الذين التحقوا بالقاعدة جاءوا من جماعة الجهاد (التي ينتمي إليها الظواهري )، إلا أن عددا منهم جاء من الجماعة الإسلامية وجماعات فرعية صغيرة...في حين لم تكن الحالة الجهادية السعودية قد عرفت الكيانات التنظيمية وبل ولم تشهد هذا الزخم التنظيمي إلا لاحقا.
لذلك فقد شكل المصريون النواة الصلبة لتنظيم القاعدة والجيل الأول الذي مثّل الدائرة المباشرة والمحيطة بزعيم التنظيم السعودي أسامة بن لادن، وكان على رأس هؤلاء جميعا أيمن الظواهري منظّر التنظيم وعقله الاستراتيجي والرجل الأكثر تأثيرا حتى في شخص زعيم التنظيم وأفكاره.
لقد كانت الخبرة التاريخية عنصرا حاسما في سيطرة المصريين على التنظيم سواء في القيادة أو في القواعد، في فترة التأسيس ثم في سنواته الأولى إلى حين بدء المواجهات العسكرية المباشرة في أعقاب هجمات سبتمبر 2001 واندلاع حرب أفغانستان التي راح ضحيتها عدد من قادة التنظيم المؤثرين( يعدَد الكتاب منهم محمد عاطف وسيف العدل ومحسن عطوة وعوف عبد الرحمن أبو أمامة وممدوح السيد أبو أيمن وحمزة الربيعي وأحمد سعيد خضر أبو عبد الرحمن الكندي ومصطفي فضل وسامي فهمي...إلخ).
لقد اعتمدت القاعدة في تأسيسها أو انطلاقتها الأولي على أبناء الفورة الجهادية التي اجتاحت مصر في أوائل الثمانينيات ثم خرجت منها عقب الصدام الدموي مع النظام إلى أفغانستان فالسودان لتضع أساس القاعدة وتشكل قسماتها الأساسية، وفي هذا لم يكن يوجد خلاف على القوة الضاربة في تنظيم القاعدة كانت للعناصر المصرية.
غير أن الوضع تغير إلى حد كبير في السنوات الأخيرة؛ إذ نضب الخزان الجهادي إلى حد ما في مصر إما عبر المراجعات التي طالت قطاعات واسعة من الحركة الجهادية، أو بسبب تآكل المحاضن التقليدية لتفريغ هؤلاء الجهاديين عقب نجاح الدولة في تصفية مؤسسات الجماعات الإسلامية والسيطرة عليها،ومن ثم فقد تراجعت قدرة الجهاديين المصريين على الاستمرار في تقديم مدد بشري يحافظ على الوجود الضخم لهم في سدة قيادة القاعدة أو يجدده بعد مصرع نخبته في مواجهات ما بعد أحدث الحادي عشر من سبتمبر.
وقد تصادف ذلك مع انفتاح الجبهة الجهادية السعودية التي كانت قد تخلصت بعد غزو الكويت وتمركز القوات الأمريكية في أرض الحرمين مما تبقى من قيود شرعية كانت تحول دون إعلانها الخروج الصريح على سلطة الحكم " الشرعي " لآل سعود والدعوة لذلك؛ إضافة إلى ما اكتشفته من احتياطي السلفية الجهادية الذي يضاهي في كثافته وانتشاره احتياطي النفط السعودي!
لقد تراجعت النزعة الجهادية المصرية الأكثر حفاوة بالسياسة فهما وتكوينا وحركة لتخلي الساحة للسلفية الجهادية التي صارت التيار الأكثر حضورا وتأثيرا ودعما في مسيرة القاعدة، والبحر الذي ينهل منه التنظيم ويستمد قوته البشرية خاصة من السعودية ودول الخليج فيما بعد أحداث سبتمبر أو غزوة مانهاتن التي قام بها تسعة عشر جهاديا ينتمون لتنظيم القاعدة كانوا كلهم سعوديون!
ربما لم تشتهر أسماء قيادات سعودية بارزة في قيادة التنظيم التي ظل يغلب عليها المصريون عدا أسامة بن لادن زعيم التنظيم نفسه، لكن كل التقارير والإحصاءات التي تناولت العتاد البشري للقاعدة أصبحت تشير بوضوح إلى تعاظم الرافد السلفي الجهادي من الخليج والعربية السعودية بشكل خاص. وهو ما ظهر في أفغانستان ثم العراق...بما أعاد ترتيب الوزن النسبي داخل تنظيم القاعدة على حساب الوجود المصري.
هناك أيضا رافد قوي ومتنام للسلفية الجهادية لكن هذه المرة من منطقة شمال أفريقيا ( دول ليبيا وتونس والجزائر والمغرب ) ودول الساحل وشمال الصحراء ( مثل موريتانيا ومالي) إذ أن التطورات التي مرت بها هذه المنطقة في العقدين الأخيرين جعلت منها أهم المناطق بعد السعودية في إمداد القاعدة بالعتاد البشري؛ فالمنع الشامل للإسلاميين من العمل السياسي في ليبيا وتونس كانا لصالح التنظيمات والأفكار الجهادية ورفعت من قدرتها على التجنيد بين الشباب، وإلغاء العملية السياسية في الجزائر واندلاع الحرب الأهلية أوجد بيئة جهادية مواتية، فيما ساهم الامتداد الكبير لهذه المنطقة الواحدة وغياب سلطة الدولة عن كثير من أجزائها في إتاحة فضاء حر ومفتوح لتنظيم القاعدة يسهل التحرك فيه والعمل بسهولة نسبية كما هو الحال في جنوب الجزائر وما يتاخمها مع موريتانيا ومالي والصحراء.
ويظهر ذلك جليا في اتفاق معظم التقديرات على أن الليبيين يشكلون القوة الثالثة – بعد المصريين والسعوديين- في العتاد البشري لتنظيم القاعدة (معظمهم قادم من الجماعة الإسلامية المقاتلة)، وأن الجهاديين المغاربة هم الأكثر استجابة لنداء تنظيم القاعدة في العراق، وكما كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر أكبر التنظيمات المسلحة التي التحقت بتنظيم القاعدة بعد تأسيسه، فيما كانت موريتانيا أكثر الدول التي نشطت فيها القاعدة في السنة الأخيرة.
لقد تراجع الحضور المصري في تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة خاصة بعد أن جف الخزان الجهادي في مصر وقضي على أهم عناصره في معارك تورا بورا ومعارك ما بعد سبتمبر، ويكاد ينحصر هذا الوجود في الدائرة الضيقة حول القيادة العليا في القاعدة خاصة أيمن الظواهري الذي يظل أهم الشخصيات نفوذا وتأثيرا في هذا التنظيم المعولم، وتظل بصماته الأكثر وضوحا وأثرا، وإليه تنسب المسئولية عن كل الرؤية الاستراتيجية للقاعدة وما يحدث فيها من تطوير، وهو القائد الفعلي لولا كاريزما أسامة بن لادن وحضوره المالي يبقيان به على رأس التنظيم.