هل تتغير العلاقة بين نظام مبارك وجماعة الإخوان؟
باحث في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
رغم أوجه الشبه الكثيرة بينها وبين سابقتها؛ تبدو الضربة الأخيرة التي وجهتها السلطات المصرية لجماعة الإخوان المسلمين مختلفة هذه المرة عن سابقتها بما يفرض التوقف عند ما لها من خصوصية وما قد تؤشر عليه من تحولات في العلاقة بين الدولة المصرية والجماعة الإسلامية الأهم والأقدم في مصر والتي باتت تتصدر واجهة المشهد السياسي في العقدين الأخيرين.
استمرار في استراتيجية
ليس صعبا ملاحظة أن هذه الضربة التي افتتح بها النظام العام الجديد (2010) تكاد تتطابق مع معظم الضربات الكبرى التي طالت الجماعة وأهمها وأقواها تلك التي كان قد افتتح بها عام 2007؛ أي قبل ثلاث سنوات فقط هي الفترة الزمنية التي تفصل غالبا بين كل ضربة والتي تليها منذ فاتحة عام 1995 الذي كان بداية الضربات الأمنية الكبرى التي تعرضت لها الجماعة في حكم الرئيس مبارك.
لقد توجهت الضربة مباشرة للنائب الأول والأهم من بين نواب المرشد الثلاثة والرجل الأقوى في التنظيم محمود عزت وعدد من أبرز القيادات التنظمية التي تدور في فلكه والممسكة بمفاصل التنظيم المهمة بالجماعة فضلا عن ثلاثة من أبرز أعضاء مكتب الإرشاد أكبر مستو تنظيمي بالجماعة، وهي ضربة تكاد تكرر سابقتها التي جرت قبل ثلاث سنوات حيث طالت النائب الثاني والأهم للمرشد والرجل الأقوى وقتها في التنظيم خيرت الشاطر ومجموعة من رجال الأعمال الإخوان المرتبطين به إضافة إلى عضو بمكتب الإرشاد، وانتهت بسجنهم عسكريا مددا تبدأ من ثلاثة سنوات (في الأغلب) وتصل أحيانا إلى عشر سنوات.
إذن يمكن النظر إلى الضربة الأخيرة كجزء من سياسة ثابتة تعتمد على توجيه ضربات جزئية متواصلة للجماعة تتم على مدى زمني متقطع ولكن منتظم بهدف إضعاف الجماعة عبر خلخلة بنيتها التنظيمية واستنزاف مواردها المالية وإرباك مسارها السياسي وتعميق عزلتها سواء عن القوى السياسية الأخرى أو المجتمع عموما، وهي أساس استراتيجية للمواجهة يهدف منها النظام إلى إضعاف الجماعة ولكن دون القضاء عليها كاملا بالنظر إلى صعوبة اعتماد استراتيجية الاستئصال الكامل للجماعة التي قد لا يستطيع نظام الرئيس مبارك تحمل كلفتها خاصة في ظل أوضاع محلية ودولية غير موائمة يستحيل معها تكرار تجربة الرئيس جمال عبد الناصر الذي اعتقل في ليلة واحدة ما يزيد عن ثلاثين ألفا من قيادات الإخوان وكوادرهم وأنهي وجودهم في الحياة العامة طوال فترة حكمه.
سياق مختلف وأسباب أخرى
لكن هذا التشابة لا يلغي خصوصية الضربة الأخيرة التي وجهها النظام للإخوان، فهي يمكن النظر إليها كإجراء عقابي تأديبي على الاستعراض السياسي الذي غلب على حضور الإخوان في الحياة السياسية في الفترة الأخيرة خصوصا مع الانتخابات الداخلية التي سعت الجماعة من خلالها على تحدي وضعية الحظر القانوني فاتجهت إلى التوسع في الظهور الإعلامي بإجراء انتخاباتها الداخلية بشكل شبه علني وعلى عدة مراحل وفي مدي زمني طويل نسبيا وفي ظل حضور وتغطية إعلامية واسعة وصلت إلى حد دعوة وسائل الإعلام المحلية والعالمية لحضور مراسم "بيعة" المرشد الجديد وحفل تنصيبه وهو ما تم التراجع عنه لاحقا والاكتفاء بحفل التنصيب دون مراسم أداء البيعة، وهو تراجع لم يكن كافيا في كل الأحوال لإنهاء حالة الاستعراض السياسي التي لا تتناسب ووضعية جماعة تظل في كل الأحوال محظورة قانونا. لقد كان توجيه ضربة كبيرة للإخوان مفهوما ومتوقعا لأي مراقب لوضع الجماعة في مصر وطبيعة علاقتها بالنظام.
كما يمكن أيضا النظر إلى مثل هذه الضربة كإجراء استباقي كان متوقعا أن يقوم به النظام مع الدخول في عام حاسم من الانتخابات التشريعية التي أعلنت الجماعة عن إصرارها على المشاركة فيها مهما كانت تكلفة الصدام مع النظام الذي تؤكد كل المؤشرات أنه جاد في سعيه لاستبعاد الجماعة تماما عن المشهد السياسي وعدم تكرار سيناريو ما جرى في انتخابات عام 2005 التي حصدت فيها الجماعة 88 مقعدا برلمانيا تمثل ما يوازي نسبة الخمس من مقاعد البرلمان. تمثل الانتخابات البرلمانية هذه المرة تحديا بالغ الأهمية والخطورة للنظام حيث سيكون لها دور حاسم في الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل 2011 ، ومن ثم يسعي النظام إلى ضمان كامل لعدم وجود أي تأثير محتمل ولو بسيط للجماعة في الانتخابات الرئاسية التي تمثل أبرز علامات قوة النظام في دولة ما زالت تتنمي لنمط الجمهوريات الرئاسية تتركز فيه معظم السلطات وأهمها بيد رئيس الجمهورية.
هل بدأ التغير في طبيعة العلاقة؟
النظام يتجه إلى تعميق عزلة الجماعة السياسية والمجتمعية
لكن الخصوصية الأهم للضربة الأخيرة تأتي هذه المرة من نوعية الاتهامات التي توجه للإخوان والتوصيف الذي تقدمه النيابة للمتهمين الإخوان في القضية والذي يبدو جديدا في سجل الضربات التي طالت الجماعة طوال عصر الرئيس مبارك، والتي يمكن أن نلتقط من خلالها مؤشرات على بوادر تحول مهم في رؤية النظام للجماعة وهو تحول يعكس رغبة منه في تعديل وضعها والصورة التي استقرت عنها في الحياة السياسية المصرية لجهة تعميق عزلتها السياسية والمجتمعية وتقديمها كتنظيم مارق يهدد الحياة السياسية بل وأسس المجال العام في مصر، وهو ما يمكن أن يكون انقلابا في طريقة تعاطي نظام الرئيس مبارك مع الجماعة.
اتهامات التكفير والعنف؟
فلأول مرة يجري الحديث عن "تنظيم خاص" داخل الجماعة مختلف تماما في أفكاره وقياداته ومشروعه السياسي عن جماعة الإخوان المعروفة والتي تمارس العمل العام وتشارك في الحياة السياسية منذ ثلاثة عقود تقريبا وطوال حكم الرئيس مبارك دون انقطاع. لقد وجهت النيابة اتهامات جديدة ومفاجئة للمتهمين الإخوان كانت هى الأولى من نوعها لقيادات الجماعة، مثل " تكوين تنظيم ينتمى لسيد قطب، يقوم على منهج التكفير ومحاولة تنظيم معسكرات مسلحة للقيام بأعمال عدائية داخل البلاد".
فاختيار اسم «التنظيم الخاص» يأتي كمحاولة لاستدعاء الدلالات السلبية في الخبرة التاريخية للإخوان والتي مارسوا فيها العنف المسلح ضد النظام وخصومهم السياسيين قبل الثورة، وهي الخبرة التي التصقت باسم "التنظيم الخاص" والذي دفعت الجماعة كلفة سياسية ورمزية عالية لأعماله وظلت سمعته السيئة تلاحقها زمنا طويلا سعت فيه للتأكيد جديا على تجاوزها والتبرء منها.
كما أن اختيار اسم "سيد قطب" يستدعي أيضا جدلا مهما عاشته الجماعة وما زالت حول تأثرها بأفكار هذا المفكر الذي صار ينظر إليه باعتباره الأب الروحي لكل جماعات العنف الإسلامي ومنظر ثورة الغضب الإسلامي في كل أنحاء العالم، فثمة اتفاق على أن أفكار سيد قطب في مجملها أفكار متشددة تؤسس لبناء جماعة منعزلة تؤمن بجاهلية المجتمع ولا تعترف بشرعية الأنظمة الحاكمة وتميل لمواجهتها ولو بالانقلاب عليها، وقد تقود للتورط في التكفير والعنف الدموي إذا ما توفرت لها الشروط والسياق المناسبين.
وإمعانا في تأكيد الاتهام واستفادة من تراث ممتد في الخبرة التاريخية للإخوان وعنهم، تؤكد مذكرة التحريات وجود قيادتين للجماعة إحدها علني والآخر سري غير معروف، وهو ما سبق حدوثه في السبعينيات من القرن الماضي بعد وفاة المرشد الثاني حسن الهضيبي، وتؤكد مذكرة التحريات أن القائد السري للتنظيم هو محمود عزت، النائب الأول لمرشد الجماعة، الذي تؤكد أنه المرشد العام للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين على مستوى العالم، وأنه هو الذى بايعته قيادات الخارج فعلياً قبل أسبوعين من الإعلان رسمياً عن اختيار محمد بديع مرشداً عاماً للجماعة!.
بهذه الاتهامات يسعى النظام إلى الاستفادة من أجواء الانتخابات الداخلية للإخوان ونتائجها التي انتهت بإبعاد كامل لتيار العمل العام المنفتح سياسيا والمعروف بميوله الإصلاحية والذي كان يمثله في القيادة السابقة محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح، وصعود قيادات العمل التنظيمي الأقرب للمحافظة والأقل انفتاحا على المجتمع والذين كان معظمهم قد انتمي إلى تنظيم 1965 الذي كان سيد قطب بمثابة الأب الروحي له.
لقد أدت الانتخابات الداخلية إلى احتجاجات من تيار الإصلاحيين داخل الجماعة وقلق من النخب الفكرية والسياسية خارجها بسبب ما اعتبره كثيرون، حتى من الإخوان أنفسهم، "اختطاف" لجماعة الإخوان من قبل التيار القطبي الذي أحكم سيطرته التنظيمية على قيادة الجماعة وتولى أبناؤه أهم مواقعها التنظيمية وعلى رأسها منصب المرشد العام واثنين من نوابه الثلاثة.
لقد كان محمود عزت، المتهم الاول في القضية الجديدة وأبرز رموز التيار القطبي، القيادة الأهم التي أدارت هذا التحول واعتبرها الجميع مسئولة عن هيمنة القطبيين على الجماعة وإنهاء أي وجود للتيار الإصلاحي في قيادتها، وقد صار الرجل رمزا للتيار القطبي داخل جماعة الإخوان، ومن ثم اتجه النظام إلى اختياره رأسا للقضية مستفيدا من حالة الانقسام داخل الجماعة وحالة القلق والترقب خارجها، لتوجيه هذه النوعية "الخطيرة" من الاتهامات التي ما كان ممكنا توجيهها للجماعة قبل التغييرات التي أعادت ترتيب الجماعة داخليا لمصلحة التيار المتشدد والمحافظ عموما.
محمد بديع ..مرشد الإخوان
يبدو القضية الأخيرة هي أقرب لمحاولة من النظام لتغيير موقع الجماعة السياسي الذي استقرت فيه طوال الثلاثة عقود الأخيرة، فقد كانت تقف ضمن مربع ظلت تعامل فيه كجماعة سياسية مسموح لها بالعمل والحضور ضمن شروط معينة قابلة للنظر والتعديل لكن من دون شرعية قانونية، وهو ما اصطلح على تسميته بالجماعات السياسية المحجوبة عن الشرعية، إلى موقع آخر تكاد تقترب فيه من وضعية الجماعات السياسية الخارجة عن الشرعية والمهددة للدولة ونظامها السياسي، وثمة فارق كبير بين جماعة محجوبة عن الشرعية، وهو ما يمكن السكوت عليه أو تعديله، وبين جماعة خارجة عن الشرعية وتمثل تهديدا لها! كما رأينا في مذكرة الاتهام. وهو الأمر الذي ربما كان بداية لحقبة جديدة في العلاقة بين النظام بل والدولة المصرية وبين الجماعة يغير قواعد المواجهة تماما.
تحول في موضوع الأخوات
أما الأمر الثاني الخاص والاستثنائي الذي يستحق التوقف عنده في القضية فهو الاتهام الموجه للمتهمين ب"تشكيل وقيادة تنظيم نسائى خاص داخل الجماعة، على غرار التنظيم النسائى القديم الذى كانت تقوده زينب الغزالى" في الستينيات من القرن الماضي، وذلك ب "هدف استقطاب عناصر نسائية وضمهن للتنظيم بهدف استغلالهن فى نقل التكليفات الصادرة من التنظيم الخاص والموجهة إلى كوادر الجماعة لتلافى الرصد الأمنى".
حيث يؤشر هذا الاتهام على إمكانية حدوث نقلة جديدة في العلاقة بين النظام والجماعة يتجاوز فيه النظام قاعدة متفق عليها في التعامل مع كل ما يتعلق بملف " الأخوات" أو نساء الإخوان وتقضي بإبعادهن عن معادلة الصراع وعدم تعرضهن للاعتقال أو الزج بهن في قضايا سياسية، في مقابل التزام بعدم دفع الجماعة بالأخوات في صدارة المشهد السياسي، ويبدو أن النظام يرد بذلك على الحضور المتصاعد والصريح للأخوات في نشاط الجماعة وفاعلياتها السياسية وهو ما بدأ في الانتخابات البرلمانية عام 2000 بترشيح جيهان الحلفاوي وتأكد في انتخابات 2005 بإعادة ترشيحها وترشيح مكارم الديري معها، ثم صار أقرب للسياسة العامة في الجماعة بعدما تأكد نيتها ترشيح عدد كبير من كوادرها النسائية في الانتخابات القادمة التي تضمن كوتة للنساء في البرلمان الجديد. إن الرسالة الأساسية التي يرسل بها النظام أن سياسة إبعاد النساء عن معادلة الصراع يمكن تغييرها في حال أصرت الجماعة على الدفع بهن في المنافسة السياسية، وأن النظام ليس لديه ما يمنعه من تكرار سيناريو التجربة الناصرية الذي اعتقل أكثر من خمسين من قيادات الأخوات المسلمات ونساء قيادات الإخوان، وعلى رأسهن الراحلة زينب الغزالي التي كان ورود اسمها في التحقيقات أبلغ إشارة على طبيعة المواجهة القادمة التي ستغير كثيرا من قواعد تعامل النظام مع الجماعة!