بين الحزب والجماعة ..صورة الإخوان للمستقبل
باحث مصري في الحركات الاسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ما الصورة التي يراها الإخوان المسلمون في مصر لمستقبلهم ؟ هل يرون المستقبل في صورة الحزب السياسي الذي يتطلبه واقع جديد صار فيه الإخوان الرقم الأهم في المعادلة السياسية؟ أم مازالوا يتمسكون في أن يبقي الإخوان علي حالهم: جماعة فوق الحزب ودون الدولة؟
هذا هو السؤال الأكثر حضورا ليس علي أجندة المراقبين والمهتمين بل وعلي أجندة قطاع واسع من الإخوان المسلمين أنفسهم وهذا هو المثير والذي يستحق التوقف عنده.
لم تكن قضية وضع الجماعة تشغل بال الإخوان كثيرا إن في حقبة الثمانينيات التي شهدت مدّا واسعا للحركة الإسلامية شغلها بالعمل الآني عن جدل المستقبل، أو في فترة حقبة التسعينيات التي تعرضت فيها الحركة للملاحقة ومنعت من العمل العام فصار هم البقاء والوحدة مقدما علي سؤال المستقبل الذي صار ترفا لا تحتمله وضعية المصادرة والملاحقة التي تعيشها الحركة.
ولكن مع تصاعد جدل الإصلاح شهدت مصر انفراجة سياسية بدأت في ربيع 2005 ووصلت قمتها في الانتخابات البرلمانية التي نال فيها الإخوان خمس مقاعد البرلمان، وكان من متطلبات هذه الانفراجة أن يصبح سؤال الإخوان ومستقبلهم علي رأس الأجندة؛ فيخرج السؤال عن دوائر البحث والتحليل ليصبح مادة للنقاش ليس فحسب بين الفرقاء السياسيين ومنهم المتشكك في الإخوان، بل وداخل الجماعة نفسها وهو الأمر الذي كان محرما من قبل، وكان طرحه بمثابة إعلان بالخروج علي واحدة من أهم ثوابت الانتماء للإخوان المسلمين.
المفارقة أن إدارة النقاش بدأها الكاتب والمفكر القبطي رفيق حبيب ابن رئيس الهيئة الإنجيلية السابق والمقرب من دوائر صنع القرار في جماعة الإخوان، والذي افتتح النقاش بسلسلة مقالات في هذا الشأن نشرتها وقتها جريدة أفاق عربية القريبة من الجماعة وموقع إخوان أون لاين الناطق باسمها، ثم تلاها بإدارة جلسة نقاش نظمها مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز التابع للجماعة أيضا، بعنوان "الحركات الإسلامية بين الجماعة والحزب" في الأول من أغسطس 2005، وبدا أن إثارته للقضية تعكس الرغبة الإخوانية في أن يكون طرحها من قبل قريبين من الجماعة وليس من داخلها تجنبا لإثارة القواعد.
طرح القضية للنقاش علانية من قبل الإخوان يأتي إدراكا بأن اللحظة الراهنة تجعل تأجيله صعبا ومرفوضا ليس من فرقاء المشهد السياسي فحسب، بل ومن أبناء الجماعة نفسها، فالدخول الكثيف للإخوان في العمل السياسي جعل قضية تأسيس حزب سياسي يمثل الجماعة أو تؤول إليه مستقبلا أمرا ملحا وبحاجة لتحديد موقف صريح. هذا فضلا عن ضرورة الإجابة علي تساؤلات تتعلق بأهمية حسم العلاقة بين الدور السياسي والدور الدعوي الذين بدا أن التداخل بينهما صار بحاجة إلي فض اشتباك.
ويمكن أن نلاحظ أن هناك استجابتان في هذا الصدد تمثلان جناحي الجماعة: السياسي والدعوي. الجناح الدعوي التقليدي في الجماعة يري أن الحديث عن تحول الجماعة لحزب هو خروج علي المشروع الإسلامي الذي بدأه الإمام المؤسس حسن البنا، وأن العمل السياسي مهم لكن لا ينبغي أن تقتصر مهمة الجماعة عليه، فالجماعة كما أسسها وكما ينبغي أن تستمر هي " هيئة إسلامية شاملة هي دعوة سلفية وطريق سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.."، ولا يمانع هذا الجناح من حيث المبدأ في تقنين وضع الجماعة لكنه لا يعبأ كثيرا بهذا الملف؛ إذ أن شرعية الجماعة وقانونيتها تستمده من شرعيتها الدينية وشرعية الأمر الواقع وليس من موافقة النظام خاصة مع غياب قواعد واضحة لمنح الشرعية القانونية أو حجبها.
أما جيل الوسط والذي يقود العملية السياسية داخل الجماعة فيري أن الوضع الطبيعي للجماعة هو أن تتحول لحزب سياسي يخضع للقوانين والأطر واللوائح التي تنظم العملية السياسية تخضع علاقات أفراده وتصرفاتهم لما يحكم علاقات وسلوك المندرجين في الأحزاب السياسية. ويخضع الحزب الجديد لرقابة مالية وقانونية كاملة، وينهي أي ارتباطات له خارج القطر بما يعني إنهاء التنظيم الدولي الذي ينسق بين التنظيمات الإخوانية في الأقطار المختلفة وتحويل هذا التنظيم إلى ملتقى فكري ثقافي للتواصل بين كالأحزاب والتنظيمات التي تحمل الفكر الإخواني على غرار المؤتمر القومي العربي الذي يجمع الأحزاب والتنظيمات القومية أو منتدى الاشتراكية الدولية الذي آلت إليه تنظيمات الشيوعية.
يتشكك أصحاب الرؤية التقليدية المتمسكة بالإبقاء علي الجماعة في صورتها الحالية في نوايا النظام ولا يثق فيه، ويراهن علي أن ضمانة المشروع الإسلامي هي في بناء تنظيم قوي ومتماسك خارج سيطرة النظام ومن ثم قدرته علي تفكيكه أو توجيهه، ويري أن علي الجماعة أن تأخذ العظة من وضعية الأحزاب المصرية " الكرتونية" الفاقدة للاستقلالية والفاعلية والتي لا تمثل أي وزن في المعادلة السياسية في البلاد.
أما التيار الداعي إلي التحول في اتجاه تأسيس حزب سياسي فهو يراهن علي ضرورة الدفع باتجاه إصلاح النظام السياسي وإجباره علي القبول بدمج الحركة الإسلامية داخله، ويري أن الحركة الإسلامية نفسها هي التي يجب أن تأخذ بزمام المبادرة، وأن تدفع بالنظام وبقية الفرقاء السياسيين إلي هذا الخيار وتمهد لذلك، وهو يؤمن بأن قوة الحركة الإسلامية الحقيقية تكمن في أن تكون جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي في البلاد لا أن تظل استثناءا أو خروجا عنه.
ينتمي التيار المتمسك بالجماعة والرافض للحزبية أو المتشكك فيها إلي ما يعرف بالتيار التنظيمي التربوي في الجماعة وهو الذي ينتشر في الأقسام المسئولة عن التربية والتكوين ونشر الدعوة في الجماعة، ومعظم أبنائه ممن دخلوا الجماعة من بوابة الدعوة ولم يعرف لهم حضور مميز في العمل السياسي، في حين ينتمي التيار الداعي إلي فكرة الاندماج في بنية النظام السياسي إلي التيار المسيّس في الجماعة خاصة من جيل الوسط الذي بدأ العمل الإسلامي في الجامعات المصرية في حقبة السبعينيات ثم قاد
الخلاف بين الدعوي والسياسي أو تيار الجماعة وتيار الحزب مازال داخليا ويدار بطريقة هادئة خاصة وأن القبول بالإخوان- جماعة أو حزبا- مازال محل رفض من النظام، والذي يستطيع – وحده – حسم هذا الخلاف فهو المسيطر تماما علي لجنة شئون الأحزاب التي تمنح الترخيص بالحزب، كما أن هناك – وهذا هو الأهم – الكلفة السياسية التي يفترض أن يتحملها الإخوان في حال قرروا التحول من جماعة خارج بينة النظام السياسي ورقابته إلي حزب سياسي.
والقناعة المستقرة أن تياري الدعوة والسياسة سيتعايشان داخل الإخوان حتى تتغير المعادلة السياسية ويصبح حق تأسيس الأحزاب متاحا للجميع، وساعتها فقط يمكن أن يحسم مستقبل الإخوان المسلمين ما بين الحزب والجماعة ، وربما نشهد أحزاب وجماعات للإخوان للمسلمين.