15 شباط 2005
فشل الإسلام السياسي..لكن الأسلمة مستمرة
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عولمة الإسلام
المؤلف: أوليفييه روا
الناشر: دار الساقي
سنة النشر: 2004 (ترجمة عن النص الفرنسي)
يقف المؤلف وكتابه في صدارة كل ما أنجز عن عالم الأسلمة والحركات الأسلمة في السنوات الأخير.
فمن دون مبالغة ربما كان هذا الكتاب أهم وأول كتاب صدر في الغرب لرصد الظاهرة الإسلامية ليس بالمعني الكلاسيكي( دراسة الحركات الإسلامية وما نتج عنها من مؤسسات وأنشطة ..ومحاولة تبني رؤية شاملة لتفسيرها) بل رصد ظاهرة الأسلمة نفسها التي تجتاح المجتمعات الإسلامية وتتخلل شتي مسارات حركتها، كما أنه الأول أيضا في تجاوز حدود التقسيمات الجغرافية وعدم الوقوف عن دراسة الظاهرة الإسلامية في الغرب أو العالم العربي والإسلامي، وهو الأول الذي يعالج قضية العلاقة بين الإسلام والتحديث ليس من باب الجدل النظري( العقيدة والنصوص الدينية) لكن من باب ممارسات الناس الفعلية إذ أن التحديث في رؤيته منفصل عن تجديد الخطاب الديني وهو بذلك يتجاوز السؤال التقليدي عما إذا كان الإسلام مع التحديث أم ضده؟ لأنه يري التحديث أمرا واقعا بعيدا عن جدل النظرية والجهد البحثي يجب أن ينصب في رصد مظاهر هذا التحديث وتحليلها.
ويتحرك كتاب أوليفييه روا في المساحة بين الدين والثقافة ويري ضرورة رفع الحاجز بينهما.
أما أوليفييه روا مدير الأبحاث بالمركز الوطني للعلوم السياسية في باريس فهو في الأصل باحث مهتم بشئون آسيا الوسطي وأفغانستان وهو أحد أهم المختصين بدراسة الإسلام في هذه المنطقة، ومن ثم فلم يكن بشهرة الثلاثي الفرنسي المعروف في الأوساط الأكاديمية والثقافية العربية ( جيل كيبيل ، فرانسوا بورجا، وآلان روسيون )، ولكنه عرفه العالم العربي قبل عشر سنوات تقريبا بكتابه " فشل الإسلام السياسي " الذي أعلن فيه عن فشل حركات الإسلام السياسي سواء في مشروعها الأكبر – أو روايتها الكبري- أي إقامة الدولة الإسلامية التي وعدت بها في بلدانها، أو علي مستويات أقل تتمثل في تقديم رؤية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية خاصة بها.
حين قدم روا طرحه هذا عارضه الكثيرون – حتي من خصوم حركات الإسلام السياسي – فقد كانت الحركات الإسلامية وقتها – في أوائل التسعينيات- ملأ السمع والبصر، وكانت ما زالت قادرة علي أن تملأ الدنيا بحركتها وتشغل الناس غير أن التطورات أكدت صحة ما ذهب إليه الخبير الفرنسي، وسقط مشروع إقامة الدولة الإسلامية ولم تعد ترفعه أي من حركات الإسلام السياسي أو تنادي به.
غير أن كثيرا من المراقبين والمثقفين أساء فهم ما طرحه أوليفييه روا فمد حديث الفشل علي استقامته ليتحدث عن نهاية الظاهرة الإسلامية، وهو ما لم يكن يقصده الرجل، ومن ثم رأوا تعارضا بين هذا الفشل وبين كتابه الجديد " عولمة الإسلام" الذي يتحدث فيه عن استمرار ظاهرة الأسلمة وأخذها بعدا عولميا
أبرز ما يطرحه الخبير الفرنسي هو تمييزه بين نوعين من الحركات صارت إليهما الحركات الإسلامية؛ الأولي هي الحركات ذات الامتداد الاجتماعي والمشروع السياسي وهي جميعا ( سواء سليمة كالإخوان أو عنيفة كالجماعة الإسلامية المصرية، أو مقاومة كحماس ) صارت أقرب إلي الأحزاب القومية في بلادها وأصبحت أولوياتها قومية وطنية ولم تعد تطرح فكرة إقامة الدولة الإسلامية كما كانت تفعل سابقا ومن ثم فحظها في الاندراج داخل العملية السياسية في بلادها أكبر مثل احتمالات تطورها ديمقراطيا، أما النوع الثاني من الحركات الإسلامية السياسية فهي التي ليس لها عمق اجتماعي في بلادها ولا تملك أي مشروع سياسي فقد صارت حركات معولمة أقرب إلي الحركات المناهضة للإمبريالية ذات الامتداد والطرح العالمي.، ويضرب مثالا بتحالف تنظيم القاعدة الذي لا يمكل مشروعا سياسيا في أي بلد بل يتحرك كجبهة أو تحالف ليس له هدف سوي منازعة أمريكا وضربها حتي ولو في عقر دارها كما فعل بضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك، ويري أن هذا النوع من الحركات أبعد عن الطرح الديني وأقرب إلي الحركات اليسارية المناهضة العولمة، ومن ثم فمعركته مع الإمبريالية التي تمثلها الولايات المتحدة ورموزها المختلفة ( الاقتصادية كبرجي التجارة، والعسكرية كالبنتاجون ) وليست الرموز الدينية المخالفة لها ( كالكنائس مثلا أو حتي الفاتيكان رمز المسيحية)
ويخصص الكاتب فصلا عن الإسلام في الغرب ليثير قضية بالغة الحساسية تتعلق بوضع الأقليات المسلمة عموما ( أكثر من ثلث المسلمين يعيشون كأقلية ) وفي الغرب بصفة خاصة، ويطرح سؤاله الإشكالي : هل هم أقلية دينية أم أقلية ثقافية؟ ..وفي هذا الفصل يحلل أوليفييه روا الأجيال الجديدة من المسلمين ويلاحظ كيف صاروا – بفعل التهميش والتمييز – أكثر تمسكا من آبائهم المهاجرين الأوائل بالهوية التي صارت الملاذ ، وكيف صاروا الأقرب إلي القبول بطرح جماعات الإسلام السياسي العنيف والمعولم كالقاعدة. ويلفت النظر إلي أن الغالبية العظمي من كوادر القاعدة ليسوا من المنطقة العربية أو حتي منطقة الشرق الأوسط بل إن معظمهم ولد أو تربي وتعلم في أوربا وأمريكا ومن ثم فهم نتاج تفاعل حركات العنف المعولمة مع الحداثة الغربية وليسوا نتاج الإسلام التقليدي أو حتي حركات الإسلام السياسي ذات المشروع والارتباط الوطني . وهو ما غاب عن المحللين والممختصين بدراسة تنظيم القاعدة، ويعد أولييفه روا أحد أبرز من اشتغلوا علي هذا التنظيم سواء من حيث بنيته الفكرية أو قاعدته التنظيمية وقد نشرت له دراسة مؤخرا في اللوموند ديبلوماتيك عن حقيقة هذا التنظيم.
وفي فصلين آخرين يربط أوليفييه روا الحالة الإسلامية أو ظاهرة الأسلمة– ويركز علي تجلياتها في الغرب- بالتطور الذي يطال الظاهرة الدينية في العالم حيث صار التدين الإسلامي يميل إلي الفردنة وإلي الإنسانية، فقد تراجع الإسلام الجماعي وصارت ممارسات التدين تميل إلي الفردنة من حيث انتهاء أو تراجع دور المؤسسات الدينية في حياة الفرد، وتغليب النزعة الفردانية حتي علي الممارسة الدينية والتأكيد علي مبدأ الخلاص الفردي، وتراجع كل ما هو جماعي في التدين حتي لم يعد الارتباط بفكرة الأمة الإسلامية الواحدة يتم إلا عبر وسيلة غارقة في الفردية ومعززة لقيم الفردنة وهي وسيلة الانترنت التي صارت معها الأمة أمة افتراضية!
ورصد أوليفييه روا الميل للإنسانية في حركة الأسلمة التي صارت تبعد تدريجيا عن السياسية وتطرح في نقاشاتها قضايا أكثر إنسانية وليست سياسية وصارت اهتماماتها تتعلق بقضايا أخلاقية واجتماعية قد لا تختلف فيها مع تيارات اليمين المسيحي والمحافظ في أوربا مثل منع الإجهاض ورفض الشذوذ والدعوة للحفاظ علي العائلة وغيرها من القضايا الاجتماعية وذات الطابع الأخلاقي.
ومما نلاحظه في طرح أولييفيه روا أن خصوصية للإسلام الغربي في خروج الدين عن نطاق الثقافة والحضارة إلي الدين النقي فالفصل بين الثقافة والدين يظهر بالأساس عند مسلمي الغرب خاصة من الجيل الثالث أو بين المسلمين الجدد بالطبع فكلاهما يخوض تجربة التعرف علي الإسلام أو الهجرة إليه دون ميراث ثقافي مسبق فالجيل الثالث انقطعت صلته بثقافته الأصلية دون أن يندمج في ثقافة الغرب لأسباب كثيرة لذلك فهو حين يخوض تجربته الدينية يبحث عن إسلام نقي غير مختلط بثقافة هي لا تمثل له شيئا ولا يعيشها ، ويشاركه في ذلك أيضا المسلم الجديد الذي ينخلع عن ثقافته الأصلية حين يغير دينه ومن غير المتصور أن يستبدل بها ثقافة أخري بل يبحث في الغالب عن إسلام نقي من الثقافة وربما رأي أن المجتمعات الإسلامية لا يتحقق فيها الإسلام المنشود لاختلاط الدين فيها بالثقافة
وربما كان هذا السبب الرئيسي لانتشار الدعوة السلفية في الغرب – علي غير المتوقع- والإقبال الكثيف عليها من مسلمي الأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت في الغرب وكذلك المسلمين أو المهتدين الجدد للإسلام لأن الفصل بين الدين والثقافة أوضح ما يكون في السلفية التي تقوم بالأساس علي إنكار الثقافة والعودة إلي رؤية محددة وواضحة وبسيطة للكون والحياة منفصلة- أو هكذا يراها السلفيون- عن الثقافات المختلفة، كما أن الدين فيها واضح ومحدد في جملة من النصوص والتفسيرات المعتمدة وهذا ما يحتاجه بالضبط مسلمو الغرب الجدد : دين محدد واضح المعالم مثل ذلك الذي تعرضه السلفية أو دين تتماهي فيه الحدود تماما كما في التصوف الذي تتقارب وتتداخل فيه التجارب الروحية من دين لآخر حتي تغيب الفروق أحيانا! ومن ثم تكون المفارقة: أن الخطابان الحاضران والمرشحان للحضور بكثافة هما علي طرفي النقيض التصوف والسلفية! وكلاهما في رأي أوليفييه منسجمان مع العولمة.
موضوعات وقضايا الكتاب كثيرة وبالغة الأهمية بما يجعل مجرد القفز عليها فيه ظلم كثير، وقد كان من حظي التعرف علي الرجل عبر كتابيه المهمين وعدد من دراساته وأبحاثه المنشورة، أما معرفتي الأكبر به فكانت عبر تلميذه بارتيك هاني أبرز من تأثروا به وحاولوا تطبيق تنظيره علي حركة الأسلمة في مصر، وقد اشتركنا معا في عدد من الدراسات حل إعادة تشكيل حركة الأسلمة في مصر انطلقت في بعض تنظيراتها مما طرحه روا وكان لنا الحظ أن نشارك معه في عدد خاص من مجلة حركات عن المسلمون في عالم الحداثة.