الحوزات الدينية لها أدوار سياسية :حوار مع محمد علي الشيرازي استاذ الفقه والاصول في الحوزة الشيعية بمشهد المقدسة-ايران
حين انهار نظام البعث العراقي انهار معه جدار عالٍ كان يخفي عنا الكثير من تفصيلات المشهد العراقي بالغ التعقيد؛ وكان الملف الشيعي أحد الملفات الملغومة التي جاء انهيار النظام ليشعل فتيلها ويدير رهانا بين الجميع حول وقت انفجاره. فالتساؤلات تبدأ، فلا تنتهي حول الحوزات الشيعية في النجف.. هل تستعيد قوتها ثانية؟ وما آثار ذلك على علاقتها بالحوزات الشيعية في إيران، خاصة في ظل حديث حول انقسامات في المراجع الشيعية على خلفيات عرقية واقتصادية وفكرية؟ وهل تدفع عودة النجف إلى البحث عن دور سياسي في المعادلة القادمة، وما حدود هذا الدور وطبيعته؟ وإذا كان.. فهل سيظل قاصرا على المراجع العراقية، أم تتداخل المرجعيات بما يسمح لحوزات إيرانية بدور سياسي في الشأن الداخلي للعراق؟
كنت في البحرين، وكان هناك حضور شيعي مكثف في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية؛ وكان المناسب طرح هذه الأسئلة وغيرها، خاصة أن العراق كان حاضرا ثقافة وسياسة، ومتصدرا لمشهد الحوار السني الشيعي الذي شهدته جلسات المؤتمر. وحين التقيت بالسيد محمد علي الشيرازي، كان من المناسب بسط هذه القضايا للنقاش. فالرجل أستاذ الفقه والأصول في الحوزة الشيعية بمشهد المقدسة إيران، التي تعد الحوزة الثالثة من حيث الأهمية؛ وهو أيضا نجل سماحة الإمام الراحل آية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي أحد أهم المراجع الشيعية في العصر الحديث؛ وكان من مراجع النجف الأشرف رغم أصوله الفارسية قبل أن يضطر لهجرتها، وهو قبل ذلك وبعده واحد من قلائل لم يجدوا حرجا في الحديث في هذه القضايا الشائكة خاصة أنها في صلب الشأن الشيعي، فكان هذا الحوار:
عودة مكانة النجف الأشرف
* سماحة السيد.. هل تتفق مع الرأي القائل بأن النجف ستستعيد ثقلها الذي ذهب ضحية قمع النظام البعثي لها، وأن ذلك سيكون على حساب الحوزات الإيرانية في قم ومشهد التي كانت قد استقوت بفعل الثورة الإسلامية في إيران واحتلت مكان النجف الأشرف؟
- لا شك أن النجف الأشرف تعتبر هي القاعدة الأولى والكبرى في الحوزات العلمية الشيعية في العالم؛ فقد مر على تأسيسها أكثر من ألف سنة منذ أن قام بتأسيسها الشيخ محمد ابن الحسن الطوسي كبير فقهاء الشيعة في زمانه. وفي هذه الحوزة، درس العلماء والفقهاء طوال ألف سنة، وتخرج فيها ألوف المجتهدين والقضاة والمراجع الدينيين. وبطبيعة الحال، مرت الحوزة بعواصف كبيرة؛ فالتاريخ الشيعي مليء بالعواصف من قبل الحكومات الإسلامية غير الشيعية؛ وخلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن، كان للشيعة مد وجذر؛ وكانت هناك حكومات تساند الشيعة وكثير منها تضيق عليهم. ولكن رغم كل ذلك، فالعراق يعتبر البلد الثاني للشيعة بعد إيران من ناحية كثرة العدد، والنجف تعتبر أكبر حوزة علمية كانت ولا تزال، ولكن النظام العراقي ارتكب جرائم بشعة، وضيق النطاق والخناق على الشعب بكافة شرائحه وعلى المسلمين عامة شيعة وسنة.
وكان الضغط على الشيعة أكثر بسبب مواقف مبدئية وجريئة تجاه الحكام الجائرين، فأخذ بهم قتلا وسجنا وتشريدا ونفيا، حتى يمكن القول بأنه، خلال فترة البعثيين إلى يومنا هذا، قام النظام بتصفية الألوف المؤلفة من العلماء والمثقفين والشخصيات العلمية الكبيرة بالقتل أو النفي، فضعفت النجف علميا بعد أن خلت من علمائها وفقهائها من مختلف الجنسيات (من إيران وباكستان وأفغانستان والبلاد العربية الأخرى)، حتى أنه لم يتبق في النجف من علمائها ومراجعها الكبار سوى المرحوم زعيم الحوزة العلمية المرجع الإسلامي سماحة الإمام الخوئي قدس الله نفسه الزكية. فقام النظام البعثي بتصفيته بعد الانتفاضة الشعبانية، التي اندلعت في العراق عقب تحرير الكويت، وهي الانتفاضة التي صفاها صدام بضوء أخضر أعطاه له الأمريكان بعد أن رأوا أن الشعب انتفض تحت قيادة العلماء، المراجع والحوزة العلمية في النجف الأشرف. ويقدر عدد الذين استشهدوا في العراق طيلة فترة حكم البعثيين، وخصوصا في الانتفاضة، ما يقرب من سبعة ملايين أو سبعة ملايين ونصف المليون.
بطبيعة الحال، في ظروف كهذه، ضعفت النجف؛ لأنه لم يبق بها أحد بعد، وبعدما كان في النجف ما يقرب من 30 ألفا من رجال العلم والفضيلة، ما بين مجتهدين وفقهاء ومراجع وطلاب، لم يعد يتبقى سوى حوالي 3 آلاف فقط، فإلى أين سار هؤلاء؟ لقد ساروا في اتجاه قم ومشهد؛ فقم هي الحوزة الثانية للشيعة، ومشهد هي الحوزة الثالثة بعد النجف الأشرف، التي تمثل الحوزة الأولى لكل الشيعة في أنحاء العالم. وهذه هي الحوزات الرئيسية الثلاث في العالم الشيعي، لكن بالطبع هناك حوزات أخرى، فعندنا في كل مدينة من مدن إيران حوزات علمية، فيها ألوف من الطلبة، وفي بلاد كثيرة من باكستان حتى سيراليون. لكن لا بد للطالب الذي يريد أن يستقي مدارج الكمال في الدين أن يكون قد درس في النجف، ولو في المراحل الأخيرة النهائية التي توصله إلى مراحل علمية كبيرة تمهده للاجتهاد كأن يكون فقيها مجتهدا مثلا؛ وإن لم يكن، ففي قم أو في مشهد المقدسة؛ وهذا ما حدث بعد حصار النجف والتشديد عليها، وصعوبة وصول طلاب العلم لها، والاتصال بمراجع التقليد فيها، مثل المرجع الكبير السيد علي السيستاني حفظه الله الذي انتقلت إليه المرجعية بعد وفاة الإمام الخوئي قدس الله سره.
* هل تجدون في عودة مرجعية النجف إلى قوتها حرجا، خاصة أنه سيكون على حسابكم في مشهد وقم؟
- لا.. لا نجد أي حرج بل نحن نعين ذلك.. وقم ومشهد في كل الظروف على ما هما عليه، ونحن لا نجد حرجا ولا نتخوف من هذه؛ لأننا نعتبر أن النجف الأشرف لا بد أن تكون هي الأم وهي الأساس. النجف مدينة رقد بين جنباتها أمير المسلمين الإمام الشيعي أول أئمة أهل البيت (الإمام علي رضي الله عنه)؛ فكل الشيعة يحبون أن يزداد شأن النجف يوما بعد يوم. وقد يكون هناك في إيران عناصر وأشخاص يفكرون في هذا الذي أشرت إليه، لكن الأغلبية العظمى لا تفكر في هذا.
* لكن إيران تقدم نفسها كدولة الشيعة في العالم، ومن مصلحتها أن يكون الاحتفاظ بالمرجعية الأولى لها؛ ألا يثير قلق القادة فيها تراجع إيران كمرجعية رئيسية للشيعة في أنحاء العالم إذا استردت النجف دورها؟
- لا أبدا، بل هم يساعدون على هذا.
* لكن انفراد إيران بمرجعيتين قويتين يضمن ولاء شيعيا عالميا إلى الجمهورية الإسلامية فيها، ومن ثم فليس من مصلحتها بروز مرجعية منافسة؟
- لا.. لأن المرجعية الإسلامية في النجف تساند حكم الجمهورية الإسلامية. نحن لا نتخوف من أن المرجعية الشيعية في العراق إذا عظمت وتقوت ستكون قوة مضادة للحكم في إيران.. لا بالعكس ستكون مساندة.
* كيف؟
ولماذا لا تكون؟!
* لأن العراق وإيران دولتان منفصلتان ولكل مصالحه؟
- المرجعية الدينية تختلف عن القيادة السياسية؛ فالمرجعية الدينية تتولى مسئولية وشئون الشيعة الدينية؛ وهذا يتجاوز السياسة، حتى لو افترضنا أنه لن يقام في العراق حكم إسلامي، وإنما حكم وطني علماني.
* كيف ستكون نظرتكم للعراق في هذه الحال؟
- نحن نتمنى أن تقوم -إن شاء الله- في العراق دولة إسلامية، يهمها الحفاظ على حقوق الأقليات، والشيعة أيضا يرغبون في ذلك. لكن لا يهمنا بالضرورة إذا كانت الحكومة هناك حكومة إسلامية، المهم أن تكون حكومة عادلة آخذة بالقيم والمثل العليا، تحترم الدين وتحترم رجال الدين، وتحترم أبناء العراق سنة وشيعة، عربا وأكرادًا، وأن تسود أحسن العلاقات بينها وبين الجمهورية الإسلامية. ونحن لا نرى أي اشتباك وأي تضاد وأي صراع وأي ما يوجب القلق بالنسبة لازدياد قوة المرجعية الدينية للنجف.
* ما تقوله جيد ولكن إذا تعارضت المصالح بين الدولتين العراق وإيران.. أفلن تقدم الحوزات المصالح الوطنية؟
- هذا إذا كانت المرجعية الدينية في النجف تريد أن تتبنى الجانب السياسي؛ لكن هذا لم يحدث، وهي فقط تريد أن تعطي رأيها من غير أن تكون متبنية الجانب السياسي؛ فلا يوجد هناك تعارض بين المصلحتين؟ ولنفرض أنه لا توجد مرجعية في النجف، وكان في العراق حكم إسلامي طبيعي -لا نقول حكما إسلاميا على غرار جمهورية إيران الإسلامية- بل بلدا مسلما طبيعيا، فهل يا ترى ستتعارض المصالح؟ ليس بالضرورة..
الدور السياسي للحوزات بين إيران والعراق
* لكن حين اندلعت الحرب الإيرانية العراقية خاض شيعة العراق الحرب ضد إيران؟
- أبدا.. إلا من أكره منهم وقلبه مطمئن بالإيمان.. ولا يوجد شيعي حارب إيران بإرادته، بل كان صدام اللعين -لعنه الله- يأخذ بهم ويرسلهم إلى الحدود.. ومن يتخلف يعدم، وكل من تخلف لو بمقدار شعره أعدم هو وأهله وذووه.
* هناك قلق من أن العلماء والمراجع الشيعية ذات الأصول العربية، التي استقرت في قم ومشهد أيام القمع البعثي، ستعود إلى العراق؟
- ليس عندنا مراجع شيعية بمستوى المرجعية، يوجد عندنا رجال أفاضل، أساتذة وعلماء، البعض منهم رجع بالفعل.
* ألا يثير ذلك قلق النظام الإيراني؟
- أبدا أبدا.. أطمئنكم.. وليعلم الإخوة في العالم كله أنه لا يثير قلق الجمهورية الإسلامية ولا القيادة الثورية في إيران أن تزداد قوة النجف، ولا أحد يفكر في هذا الشيء أبدا.
*وماذا عن رجال الحوزات المعارضين للنظام، هل يؤدي ازدهار النجف إلى أن تصبح عامل جذب للمنتمين إلى التيار الإصلاحي ومعارضي النظام الإيراني خاصة ممن رفضوا مبدأ ولاية الفقيه التي يقوم عليها؟
- هؤلاء لا يذهبون إلى النجف؛ لأن من يسمون بالإصلاحيين عندنا في إيران قليل منهم في الحوزات العلمية والقليل منهم من رجال الدين، فهم من البعيدين عن الحوزات والانشغال بالأمور الدينية، وهؤلاء لا يذهب أحد منهم للنجف. الذين يذهبون هم المهتمون بالجوانب العلمية والدراسية، لا المشتغلون بالسياسة. وغير وارد أن يذهب بعض رجالنا من الإصلاحيين إلى النجف، ويتخذ من النجف قاعدة تكون ضد الثورة الإسلامية أو حتى ضد الخط الإسلامي المتشدد.
* لكن الذي حدث أن هناك من اتخذ النجف كقاعدة يدير منها خلافه مع النظام الإيراني؟
- إلى الآن لم يحدث إلا مع فرد واحد، وهو حسين الخوميني المرفوض من الكل، والذي لا يحسب له في إيران حساب حتى إن كانت الأيدي الأجنبية تستخدمه وسيلة، مستغلة اسم الخوميني وكونه حفيد آية الله العظمى قائد الثورة الإيرانية.
وأقولها لكل المسلمين: فليعلموا أن هذا -حسين الخوميني- هو واحد من الناس الذين ليس لهم موضع قدم في إيران التي يسكنها 70 مليونا أو أكثر، ولا في الحوزات العلمية، وهو ينسب إلى الجنون أكثر من كونه إنسانا معتدلا؛ وهو لن يحصل على شيء بتصرفاته السيئة.
* ألا ترى أن استعادة النجف لقوتها سيؤدي إلى استعادة المراجع الشيعية ذات الأصول العربية لدورها الذي تراجع لمصلحة المراجع الإيرانية؟
- هذه المسألة منتهية، نحن في طول التاريخ لا نفرق بين العلماء على حسب أصولهم، عندنا في إيران أسر عربية علمية عريقة؛ وفي النجف في أكثر الأحيان كانت المراجع الدينية التي لعبت الدور الأكبر في أمر الشيعة من الإيرانيين.. وقد يحصل أحيانا ظهور نعرة عربية مثلا، مثل القول بأننا لا نحتاج إلى مراجع من غير العرب.. وأتصور أن هذا يمكن أن يوجد الآن للأسف.
* يمكن أن يوجد أم هو موجود فعلا؟
- الآن موجود، لكن ليس من ذوي الاعتدال والرأي، بل من أشخاص لا يحسب النجف ولا يحسب الشعب العراقي لهم حسابا، وهم أناس لا أحب أن أذكرهم حتى لا يكون ذكري لهم إشعارا لهم بوجودهم؛ لأن هؤلاء لا نرى لهم وجودا. ولكن على العموم هذا الآن من المحتمل؛ لأن العراق دخلت مراحل جديدة؛ فصدام بذر نعرات كثيرة من النفاق ومن العنصرية ومن الطائفية؛ ومن المحتمل أن يتأثر بها الجيل الجديد الذي كان بعيدا عن نشأة الحوزات العلمية وتربية العلماء.
* هل تقصد مقتدي الصدر مثلا؟
- مقتدي الصدر وأمثاله من هؤلاء الذين لا أريد أن آتي بذكرهم.
*هناك نزعة الآن لدى بعض الشباب من علماء الشيعة في النظر إلى أن النجف لا بد أن تتبع المرجعيات الشيعية العربية، وعلى غيرهم من الإيرانيين الرحيل.
- لا هؤلاء مجرد طلبة والكل -حتى من النجفيين البعيدين عن الأوساط السياسية- يعلمون أن هذه الأطروحة تنطلق إما من منطلق الجنون وإما من منطلق العمالة للاستعمار؛ وقد رمي أصحابها بالعمالة للاستعمار؛ وما من شخص عراقي واعٍ فاهم يقبل هذا الأمر، هؤلاء الشباب جن جنونهم وارتكبوا جرائم اشمأزت منها الناس؛ فقتلوا السيد الخوئي وحاصروا بيت السيد السيستاني، وتعدوا على السيد بشير النجفي والسيد الحكيم وغيرهم، ويمكن أن يقوموا بعمليات جنائية جرائم ضد غيرهم من المختلفين معهم بما فيها علميات اغتيال، لكن لا قيمة لهم.. والوسط العراقي يرفض كلامهم، ويرد عليهم ردا عنيفا.
* لكن يبدو أن المسألة تتجاوز الشباب؛ لأن مرجعا مثل السيد محمد حسين فضل الله في لبنان -وهو رجل مشهور باعتداله أيضا- هناك رأي عام بوجود تحامل عليه من المرجعيات الإيرانية لكونه عربيا؟
- هذا تحامل فكري عقائدي، وليس تحاملا عربيا فارسيا. فقد كانت له أفكار غير مقبولة لدى فقهاء الشيعة، مثل آرائه عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها وأمور من هذا القبيل؛ فكان من الطبيعي أن رفضته الأوساط العلمية الولائية الشيعية ورفضت أفكاره. فالخلاف معه فكري عقائدي ليس له صلة بأصوله العرقية.
* وهل لهذا الخلاف أسباب اقتصادية تتعلق بالأخماس التي تحصلها المراجع من جماهير الشيعة وما قيل عن خوف المراجع الإيرانية من تفضيل تجمعات الشيعة العرب أداء الأخماس لمراجع عربية، مثل السيد فضل الله؟
- لا.. لا ليست له أية علاقة بهذا، بل هو خلاف فكري عقائدي بحت. هناك أشياء مثبتة عندنا هو لا يقتنع بها كباحث وكمؤرخ؛ ونحن كنا نقول له على الفور: ليس كونك لا تقتنع بها أن تأتي وتخالف الجمهور؛ فهناك أشياء ثابتة عندنا كالعقائد.. أنت لا تقتنع.. هذا من حقك، و"لا إكراه في الدين"، ولكن ليس من حقك أن تثير هذه الأمور ضد قناعات الناس؛ وآراؤه هي التي أثارت عليه جماهير الشيعة من دون أن يفكروا أن هذا إيرانيا أو لبنانيا أو عربيا.
* أوليس للموقف منه صلة بأصله العربي؟
- أبدا.. أبدا. ومتى فكر الشيعة هكذا؟ الشيعة عندهم علماء من الهند ومن باكستان ومن العرب كلهم جنبا إلى جنب؛ ولا يمر بخاطر أي عالم شيعي ذلك؛ بل يحمل الشيعة همَّ الأمة الإسلامية؛ ونحن إلى جانب القضايا الإسلامية أينما كانت على الساحة العراقية أو الإيرانية أو الأفغانية أو الباكستانية أو الألمانية أو الأوروبية أو الأمريكية؛ نحن مع القضايا الإسلامية ومع الإسلام وقضاياه ومع المسلمين وقضاياهم، نقدسهم طالما هم يهتمون بالدين، وننصرف عنهم بقدر ما نرى تنازلهم عن الدين، نبغضهم بقدر ما نرى -لا سمح الله- أن عندهم مواقف لا نعترف بها.
*كيف ترى سماحتكم الدور السياسي للحوزات، ونحن نتحدث عن النجف الأشرف في وقت يعيد العراق بناء نفسه مرة ثانية؟
- دور إيجابي وفعَّال.. الحوزات في إيران أصبحت تتبنى الشئون السياسية.
*هل أنت مع مسألة أن يكون لحوزة النجف دور سياسي في مسألة إعادة تشكيل نظام الحكم العراقي؟
- الوضع أصبح لا يمكن معه أن نفصل بين الحوزة وبين الظروف السياسية؛ يجب فعلا أن تبقى الحوزات على ما هي عليه من الاستقلال، بمعنى ألا تتبع لنظام الحكم؛ ولكنا لا يمكن أن تتخلى عما يقرر مصير البلاد ومصير الشعب.
* لكن وسائل الإعلام تتناقل أن ثمة مللا داخل إيران نفسها من استمرار الدور السياسي لرجال الدين؟
- بعض رجال الدين انغمروا انغمارا واسعا في حياض السياسة، ونحن لا نقبل مثل هذا، لكنه أيضا شيء طبيعي؛ لأن رجال الدين لا بد أن يكون لهم وجهة نظرهم؛ فهم يقولون بأننا لا بد أن نحافظ على إسلامية الدولة ونراقبها من المنظار الإسلامي والمنظار الفقهي؛ ونحن أيضا نقول هذا.. لكن أمور السياسة تختلف حسب التقديرات الشخصية، وأستطيع القول بأن على عموم الحوزات العلمية الحفاظ على موقعها العلمي الأكاديمي، على أن تقف في نفس الوقت جنبا إلى جنب لدعم الدول الإسلامية، ودعم الحكومات الإسلامية، ودعم الشعوب في قضاياها المصيرية في كل مكان.
* مع إقراراكم بمبدأ وجود دور سياسي للحوزة، هل ترون أن الدور السياسي للحوزة الشيعية في العراق يجب أن يكون خاصا بأهلها، أم أن من حق الحوزات الأخرى من خارج العراق، مثل قم ومشهد أن تمارس دورا سياسيا في العراق؟
- في منظارنا -منظار مدرسة أهل البيت ومدرسة الإمام جعفر ابن الصادق- فإن مسئولية رجل الدين ليست محدودة بالحدود الجغرافية. فنحن في إيران عندما نسمع بقضية حدثت في تونس أو في باكستان أو في سيراليون أو في أي بلد آخر بما فيها أمريكا، نسمح لأنفسنا أن نتدخل وليس لأحد أن يعترض علينا أو يردنا. فنحن نقول بأن الأمة الإسلامية هيكل واحد يجب أن نحافظ على كل جزء من أجزائه، ولا نسمح لأحد أن يعتدي عليه. فالمرجعيات والحوزات العلمية في إيران تقف إلى جانب الشعب العراقي قي قضيته المصيرية؛ ومرجعية النجف تقف إلى جانب الإيرانيين، وإلى جانب علماء الدين في تقرير مصير الشعب الإيراني، وفي تقرير مصير الشعوب الإسلامية والشيعية.
* ولكن ألا يعد هذا تدخلا في الشأن الداخلي للعراق؟
- لا.. لا.. من يقول هذا؟ هم "... الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"، وهؤلاء من أصحاب النفوس الضعيفة، والحوزات العلمية والمرجعيات الدينية في إيران لا يهمها مَنْ الذي يحكم العراق؛ نحن -فقط- نقف إلى جانب الشعب العراقي في قضيته المصيرية، أما التدخل في أموره الداخلية فأبدا وكلا؛ لا يمكن أن نتدخل.. أنا شخصيا قد أتدخل لأني ابن النجف وابن العراق، وكنت في النجف وذهبت إلى العراق، وقد أرجع إن شاء الله مرة ثانية.. ولكن على العموم، الإيرانيون لا يتدخلون في الأوساط الداخلية في القضايا الداخلية؛ فهم يقفون إلى جانب الشعب العراقي في تقرير مصيره حتى لا تعود الأمور –لا سمح الله- إلى ما كانت عليه.
* تأملون في إقامة حكم إسلامي في العراق؟
- طبيعي، هذه غايتنا المنشودة؛ ولكن ليس معنى ذلك أنا سنتدخل في ذلك، نحن نضع الأمور أمام الشعب العراقي وهو يختار ويقرر مصيره. هوية الشعب العراقي هوية إسلامية، والشعب الذي يحمل هوية إسلامية لا بد أن يكون الحكم الذي يسوده حكم إسلامي، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
* التركيبة العراقية الأقرب للموزاييك والتي تجمع بين السني والشيعي والكردي والعربي وغيره؛ هل يصلح معها فكرة إقامة نموذج لحكم إسلامي؟
- هناك مؤشرات تشير إلى أنه ممكن؛ ولكن هناك أيضا موانع كثيرة لأن يقام في العراق حكم إسلامي على غرار ما حصل في إيران. فالتركيبة العراقية لا تسمح رغم أن هوية الشعب العراقي هوية إسلامية؛ والهوية الإسلامية تقتضي أن يكون الحكم إسلاميا. ولكن هناك مشكلات كثيرة لا يمكن أن نتجاهلها؛ وعليه فلا مانع من أن يكون الحكم معتدلا؛ وليس على غرار الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه في إيران، وهذا ما لا نريده ولا ندعمه. ما نرجوه أن يكون حكما إسلاميا كالأحكام الإسلامية الموجودة.. فطبيعي أن العراق عانى ما عاناه من أجل الإسلام، وأريقت دماء الملايين من شعبه من أجل الإسلام؛ فلا بد أن تكون حصيلة ذلك تتناسب مع حجم التضحية، فلا يمكن أن يضحي العراق من أجل الإسلام ثم يسوده بعدها حكم علماني.