حزب السعادة الإسلامي والانتخابات التركية : حوار مع "رجائي قوطان" رئيس حزب السعادة التركي
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
فيما كان عشرات الآلاف من الأتراك يحتفلون بالذكري 554 لفتح القسطنطينية ويتزاحمون في أرض الاستاد الرياضي الذي احتضن الاحتفالات أطلق الزعيم الإسلامي البارز نجم الدين اربكان الدعوة إلي الاستعداد لفتح اسطنبول مجددا في يوم 22 يوليو 2007 وهو اليوم الذي تجري فيه الانتخابات البرلمانية الجديدة!..أربكان طالب الجماهير بالوقوف وراء حزب السعادة الذي يمثل الذراع السياسي لحركته التي تعد رائدة العمل السياسي الإسلامي...في الوقت الذي انتقد فيه بشدة حكومةحزب العدالة والتنمية المنشق عن الحركة دون أن يسميها متهما أياها بالتخلي عن المشاعر الوطنية واستقلال الشعب.
وحرص أربكان علي الإشادة بحزب السعادة باعتباره الذي سيقود فتحا جديدا يشابه ما فعله مجمد الفاتح ويخلص البلاد من هذه الحكومة..كما حرص علي تقديم رئيس الحزب في الحفل لإعلان بدء معركته الانتخابية لإنجاز ما أسماه بالفتح الثاني لاسطنبول!
التقيت بالسيد رجائي قوطان رئيس حزب السعادة والرجل المقرب من زعيم حركة مللي جورش ( الراي الوطني ) وحاورته عن موقف الحزب في الانتخابات القادمة وتوقعاته بشأنها ومستقبل علاقة حزبه بحزب العدالة والتنمية الذي ينحدر معظم قادته من نفس الحركة..فكان هذا الحوار.
* فضلتم أن تعلنوا بدء حملتكم الانتخابية في احتفالات فتح القسطنطينية..هل هذه محاولة لاستغلال الحدث التاريخي المهم وما يرافقه من مشاعر دينية وقومية وتوظيفه لحزبكم في ظل غيابكم عن المشهد السياسي طوال خمس سنوات بعد أن عجز حزبكم عن الوصول للحد الأدني الذي يكفل لكم دخول البرلمان؟
** احتفال فتح القسطنطينية تقليد لحركة الراي الوطني ( مللي جورش ) نقوم به منذ ثمانية وثلاثين عاما ( بدأ عام 1969 ) ولم نتوقف عنه من قبل..وكنّا سنقيم هذا الاحتفال حتى ولو لم تكن هناك انتخابات.
أما بالنسبة للانتخابات فنحن لم نفز في الانتخابات الماضية بسبب قد يغيب عن الإخوة في خارج تركيا..لقد جاءت الانتخابات مباشرة بعد انقسام حزب الفضيلة وخروج العدالة والتنمية عنّا..وقتها حدث خلط لدي الناس وظنّوا أن العدالة والتنمية من أحزابنا..لقد حسبوا أننا حزبان وظنوا أنهم يصوتوا للفضيلة باعتبار أنها اتقسمت لحزبين ( السعادة والعدالة والتنمية )..فأخذت العدالة والتنمية أصواتنا بسبب الالتباس الذي وقع للناس..
في عام 1980 حين وقع الاانقلاب العسكري تم منعنا من العمل السياسي ..وفي أول انتخابات تالية حصل حزبنا الجديد ( الرفاة ) علي عدد قليل من الأصوات..ثم تقدمنا في الانتخابات التالية لها..ولم نصل عام 1995 حتى صرنا الحزب الأول في تركيا ..وأتوقع أن يتكرر ذلك إن شاء الله في الانتخابات القادمة ويكرر التاريخ نفسه ونفوز فوزا كبيرا.
نحن نعمل باعتبار أننا في ماراثون لا يتوقف وليس في مباراة وتنتهي..ولا نشعر بالهزيمة أو الفشل حتى لو تعرضنا لانتكاسة.
* لكن ألا يبدو الوضع مختلفا هذه المرة..فيما سبق كانت حركتكم موحدة..أما الآن فقد خرج منها قطاع كبير خاصة من القيادات الشابة..ألن يتأثر حزبكم بهذه الخسارة؟!
** الانتخابات الماضية جاءت مباشرة بعدما كانت الحركة قد اتقسمت لحزبين ولم يكن الشعب قد عرف وقتها من هو الأصل ومن المنشقين علي حركة الرأي الوطني ( مللي جورش )..ولكن خلال خمس سنوات قضاها حزب العدالة والتنمية في السلطة وراي الناس فيها سياستهم وسلوكياتهم وعرف أن لا علاقة لهم بنا وأننا حزبان مختلفان سيختلف الأمر تماما.
لقد صار من الواضح للجميع أن السياسة الخارجية لحكومة العدالة والتنمية ليست سياسة وطنية مستقلة تعبر عن مصالح شعبنا وأنها تابعة مباشرة للولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل..وهو ما ينطبق كذلك علي السياسة الاقتصادية التي تنفذ تماما سياسات صندوق النقد الدولي والتي أدت إلي كارثة علي تركيا..لقد ربطت البلاد بمراكز التمويل الغربية وحولت الاقتصاد التركي إلي اقتصاد تابع لها بما يمكن أن يؤدي إلي انهيار اقتصادي في أي وقت مثل الذي جري في شرق آسيا..فالاقتصاد التركي في ظل هذه السياسة لا يقوم علي الإنتاج والتصدير وإنما علي تأثير إرادة مراكز التمويل والأموال الغربية..كما أنها أدت إلي تركز أموال البلاد في يد نخبة قليلة العدد من المستثمرين صارت تتحكم في الاقتصاد. وتنهب البلاد..ليزداد الأغنياء غني ويزداد الفقراء فقرا..وهي سياسة عكس التي كنّا ننتهجها في حزب الرفاة حين كنّا في الحكومة..لقد كنّا نبني اقتصادا وطنيا يقوم علي الانتاج والاستقلال الاقتصادي وليس علي تسليم البلاد للرأسمال الغربي أو لرجال الأعمال.
الشعب الآن يعرف الفرق بيننا وبين حزب العدالة والتنمية ..حصاد خمس سنوات من السياسات الاقتصادية والخارجية الخاطئة جعلت الشعب واعيا بالفرق...ولا أتوقع مطلقا أن يصوّت الناس مرة أخري للعدالة والتنمية.
* يبدو للمراقب وكأن خطابكم يركز علي الأمجاد التاريخية والشعارات الإسلامية التي تتفردون بها في حين يركز خطاب العدالة والتنمية علي الأرقام وما تشير إليه من إنجازات اقتصادية تتمثل في ارتفاع معدلات النمو وثبات سعر العملة الوطنية وتزايد حجم الاستثمارات؟
** هناك عدم دقة في موضوع الأرقام وما يقولون أنه إنجازات اقتصادية..مجمل السياسات الاقتصادية التي اتبعها حزب العدالة والتنمية كانت لمصلحةالأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال وكبار المستثمرين وهم المعجبون بها والراضون عنها..ومن ثم فهم الذين يحتفون بها لأنها تزيد من ثرواتهم..ولهذا فالإعلام هو من يتكلم عن هذه الإنجازات وليس الناس..والإعلام كما تعرف كله بيد هؤلاء الأغنياء ولا يعبر عن الفقراء ..لذلك يمكن لنائب العدالة والتنمية أن يتكلم ليل نهار في وسائل الإعلام التي تحتفي به..لكنه لا يمكن أن يقف ساعة واحدة ليواتجه الفلاحين والعمال وصغار الموظفين الذين تضرروا من سياسات حزبه التي أفقرتهم..إن السعداء بالسياسات الاقتصادية للعدالة والتنمية هم الأغنياء فقط.
* إذن أين برنامجكم أنتم في حزب السعادة..هل هناك معطيات واقعية مثلما يفعل حزب العدالة والتنمية غير النفس الإسلامي والتاريخي الذي يغلب علي خطابكم؟
** ليس صحيحا أننا نقتصر علي التاريخ والشعارات الإسلامية رغم أهمية ذلك في بلد كتركيا مهدد في هويته..ومن يعرف الساحة السياسة التركية سيقول لك أننا أكثر حزب سياسي في البلاد صاحب مشروعات واقعية لولا أن الإعلام الرسمي العلماني له منا موقف سلبي ولا يريد أن يذكر لنا شيئا إيجابيا..العدالة والتنمية ليس له مشروع واحد خاص به بل كلها مشروعات من الخارج الذي ينفذ له سياساته وتعليماته..نحن نحتفل بالتاريخ بالفعل وهو مهم جدا في بناء شخصية شعبنا والأجيال الجديدة.لكننا نهتم أيضا بالمستقبل..والعارفون بالسياسة في تركيا يقولون أن أصحاب الخبرة هم من بقوا في حزب السعادة وعديمي الخبرة هم من ذهبوا للعدالة والتنمية.
* هل لك أن تكلمنا عن نماذج لهذه المشروعات أو تحدثنا عن رؤيتكم؟
** منذ تأسيس حركة الرأي الوطني عام 1969 ونحن نتبني سياسة تقوم علي أساس الاستقلال عن أوربا وأمريكا والتوجه شرقا نحو العالم الإسلامي..وقد طبّقنا ذلك كلما أتيحت لنا فرصة الوصول إلي السلطة..حين سجننا العسكر بعد انقلاب عام 1980 سألوا الأستاذ نجم الدين أربكان ونحن في السجن: لماذا حين كنت نائبا لرئيس الوزراء لم تزر أوربا أو أمريكا مرة واحدة في حين كنت دائم السفر إلي العرب والمسلمين؟..نحن سياستنا تقوم علي أن مستقبلنا مع العالم الإسلامي وليس الغرب..وحين كنت وزيرا للطاقة في حكومة الأستاذ أربكان عامي 1996-1997 أقمنا علاقات ممتازة في مجال الطاقة مع الدول الإسلامية..وقعنا اتفاقية مع العراق لشراء البترول والغاز ..والشيء نفسه فعلناه مع مصر التي أقمنا معها عددا من المشروعات المهمة في مجال البترول والغاز..وكذلك اليمن..كما وقعنا اتفاقا مع مصر والأردن وسوريا والعراق لعمل شبكة مشتركة بين دولنا في مجال الكهرباء وقد كان وزير الكهرباء المصري وقتها- ماهر أباظة- من أكثر من ساعدونا في هذا المشروع...كما اتجهنا نحو وسط آسيا والدول الإسلامية مثل أذربيجان وتركمانستان وكازخستان وقرغيزستان..وكلها أقمنا معها مشروعات للتعاون المشترك..وكانت رغبتنا دائما أن يتعاون العالم الإسلامي بدلا من التبعية للغرب..ولذلك فقد قام الأستاذ أربكان بمبادرته المهمة لتأسيس تجمع دول الثمانية الإسلامية الكبري كعنوان لهذا التعاون ونواة لتعاون أكبر في المستقبل.
* لقد أدي هذا المشروع إلي ضرب تجربتكم والانقلاب علي حكومة أربكان..فهل لجيكم النية للاستمرار في هذا التوجه إذا ما قدر لكم العودة مجددا للحكم؟
** بالتأكيد..هذا توجه غير قابل للنقاش أو المراجعة..مستقبل تركيا لن يكون إلا مع العالم الإسلامي وليس في تبعتيها للغرب..والاستقلال السياسي والاقتصادي ليس مشكلة تركيا فقط بل مشكلة العالم كله..والأستاذ أربكان دائما ما يبشر بالنظام العادل الذس يقضي علي التبعية والاستغلال..ونحن نعتبر أننا نحمل رسالة للعالم كله ولن نتراجع عنها بعكس ما فعله حزب العدالة والتنمية الذي يقود تركيا إلي الارتباط بل التبعية للغرب..أذكر أننا حين كنّا في حزب السلامة الوطني في عام 1976 – 1977 كانت الخطوط الجوية التركية تسافر فقط إلي أوربا وأمريكا ولم يكن لها أي رحلة للمشرق إلا إلي تل أبيب..ولكننا أول من رفض هذا ووقفنا بقوة حتى بدأت الرحلات إلي العالم العربي والإسلامي.
* سمعنا باحتمال أن يكون هناك تحالف أو تنسيق بينكم وبين بعض الأحزاب القومية في الانتخابات القادمة..لماذا لا يكون التنسيق مع العدالة والتنمية الذي يفترض أنه الأقرب لكم؟
** هناك قضية تحتاج للتوضيح وهي أننا لسنا في تحالف مع أحد ..ورغم أن هناك ثلاثة أحزاب – أتحفظ علي ذكر اسمها- سعت إلينا للتفاهم لكننا لم نقرر شيئا بعد علي الأقل حتى الآن..ولكن هذا لا يمنع التنسيق فيما بعد وحسب المصالح التي نري أنها تتحقق لحزبنا.
أما بخصوص التحالف فهو صعب بل ممنوع قانونا..التحالف لا يعني في تركيا إلا اندماح أحد الحزبين في الآخر أو التوحد تحت اسم جديد..وهو ما لا نقبله ولا يقبله حزب العدالة والتنمية.
* وماذا عن حملتكم الدعائية ضد العدالة والتنمية...ألا يمكن تجنب هذه الدعاية القاسية ضد الحزب؟
** سياستنا الثابتة أننا لسنا في حرب ضد أحد..وأننا لا نضرب أحدا تحت الحزام..ولكن من حقنا أن ننتقد سياستهم إذا اختلفنا معهم وأن نسعي لإثبات صحة موقفنا..نحن لم نرد السوء بالسوء لمن حاربونا من قبل واساؤا إلينا..ولن نفعل ذلك مع أحد..وظيفتنا هي التبليغ والبيان..ونحن نري أن سياسة العدالة والتنمية تقود تركيا إلي الكارثة ولن نسكت علي ذلك..لابد أن نوضح للشعب خطأ هذه السياسة والطريق السئ الذي ستقودهم إليه.
* أي الأحزاب أقرب إليكم وأيها الأكثر احتمالا أن تخوضوا معه تحالفا في المستقبل إذا ما قدر لكم الفوز في الانتخابات البرلمانية أو شاركتم في تشكيل الحكومة؟
مع التبعية لأمريكا والوحدة مع أوربا وتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي..هذا من حيث المبدأ..لكن إذا ما قدر لنا أن نشكل جكومة فلا مانع من أن نتفاهم جزئيا حول بعض القضايا والمواقف..أما أفكارنا فلن تتغير..ومن يقبل بشروطنا يمكن أن نتخالف معه.
* بصراحة فإن السؤال الذي أردته هو: هل يمكن أن تعود المياة لمجاريها ويحدث تفاهم بينكم وبين حزب العدالة والتنمية فتصبح هناك حزبان يمثلان الحركة الإسلامية التركية؟
** طبعا لا مانع لدينا من التفاهم..وانا أتمني أن نلتئم من جديد..لكن لابد أن يعرف حزب العدالة والتنمية خطأه وخطأ سياساته..وأنها تسببت في تراجع العمل الإسلامي وتعطيل مسيرته ..وأشير في هذا الصدد إلي دراسة كانت قد أعدتها مؤسسة توسياد التي تمثل رجال الأعمال العلمانيين وانتهت فيها إلي أن حزب الرفاة بعد إسقاطه عمدا من العسكر كان سيحصل في الانتخابات علي 45% ثم ستتزايد نسبته إلي 65% في الانتخابات التي تليها..ومن ثم أوصت الدراسة بضرورة شق الحزب لوقف نجاحه..وهو ما فعله الذين خرجوا عنّا وأسسوا حزب العادلة والتنمية!